مسؤولية
المحاسب في الشركة بين تطبيق القانون وتعليمات المشغل
حمزة قسمان
طالب باحث في
قانون الأعمال
The responsibility of the accountant in
the company between the application of the law and the instructions of the
operator
Hamza KASSMAN
مقدمة:
ظهرت في العقود الأخيرة من القرن
العشرين العديد من التغيرات والتحولات التي أفرزتها معطيات التطور التكنولوجي،
فتسارع وتيرة نمو الابتكارات والتقنيات التكنولوجية ساهم في نقل المجتمعات عبر
الزمن إلى عصر المعلومات، وأدى إلى ميلاد وبروز العديد من التطبيقات والانشطة
الحديثة.
تعتبر
المحاسبة أحد أهم العناصر التي تسهم في نجاح الشركات واستمراريتها في السوق، فهي
ليست مجرد عملية تسجيل البيانات المالية، بل تمثل أداة أساسية لاتخاذ القرارات
الاستراتيجية وتحليل أداء الشركة وعليه لا يمكن الحيث عن محاسبة دون استحضار الشخص
المكلف بها ألا وهو المحاسب.
فلا شك
أن مفهوم المحاسب كان دائما مرتبطا بالشركة، سواء كان محاسب داخلي أو محاسب خارجي
تابع لأحدى مراكز المحاسبة، و تختلف مهام المحاسب وأدواره ومسؤولياته باختلاف
نوع العمل وحجمه، وعلى العموم فمهامه تتجلى في تطبيق القوانين الجاري بها العمل
كيما كانت تلك المهام الموكولة إليه ، وعليه سأعمل من خلال هذا المقالي على
الإحاطة بمسؤولية المحاسب في الشركة بناء على تطبيق القانون و كدا التعليمات التي
يتلقاها من المسؤول المباشر ومدى كون هاته التعليمات أن تجعل من المحاسب مسؤول
مسؤولية تضامنية في بعض الحالات مع المشغل سواء كان الفعل المرتكب عن سوء أو حسن
نية، وكيف للمحاسب أن يعمل على اثبات تطبيقه القانون بالطرق القانونية وبالتالي أن
يكون في حماية تامة من أي إجراءات قانونية
قد تتخذ في حقه.
للإجابة على هاته التساؤلات سأعتمد التقسيم الآتي:
المطلب الأول: بعض
مظاهر التزام المحاسب في الشركة
§
الفقرة الأولى: التزام
المحاسب في الشركة بتطبيق القانون
§
الفقرة الثانية: قانونية
تطبيق تعليمات الرئيس المباشر
المطلب الثاني: الحماية القانونية للمحاسب في الشركة
§
الفقرة الأولى: وسائل
اثبات تطبيق القانون
§
الفقرة الثانية: بعض آثار
عدم تطبيق القانون
المطلب الأول: بعض مظاهر التزام المحاسب في
الشركة
الفقرة الأولى: التزام المحاسب في الشركة بتطبيق القانون
إن
المحاسب وفي إطار مزاولته لمهامه داخل المقاولة يلزم باحترام العديد من القوانين
سواء تلك المتعلقة بالمحاسبة وهنا نستحضر القانون 9.88 والمتعلق بالقواعد
المحاسبية التي من الواجب على التجار العمل بها، حيت الزم المشرع كل شخص يمسك محاسبة بضرورة احترام مقتضياته بالتفصيل، ودلك تحت طائلة عدم قبول
محاسبته من طرف الإدارة الضريبية حيث جاء في المادة 23 من القانون أنه ''لإدارة
الضرائب أن ترفض قبول المحاسبات التي لا تكون ممسوكة وفق الأشكال المقررة في هذا
القانون والجداول الملحقة به''[1]. كما ألزم الخبراء المحاسبين والمحاسبين المعتمدين
وغيرهم من الأشخاص الذين يحترفون مهنة مسك محاسبات الخاضعين لهذا القانون أن
يتقيدوا بالأحكام الواردة فيه وفي ملحقه فيما يتعلق بمسك محاسبات المنشآت الموكول
إليهم أمرها ودلك حسب المادة 24 من نفس القانون.
ويستفاد
من المادة 24 أن المحاسب ملزم باحترام مقتضيات القانون 9.88 وذلك سواء كان محاسب
داخل الشركة أو محاسب منظم تحت هيئة ما كالخبراء المحاسبين[2].
وعليه
فالمحاسب وخلال السنة المحاسبية للشركة، يتحمل مسؤولية القيام بالتصريحات الضريبية
اللازمة للشركة والمنظمة بالخصوص بموجب المدونة العامة للضرائب، سواء تلك المتعلقة
بالضريبة على القيمة المضافة أو الضريبية على الدخل، أو حجز الضريبة من المنبع
وعلى العموم جميع الإقرارات و التصريحات
سواء كانت شهرية أو سنوية، والتي تكون غاية في الأهمية لكونها تعكس الصورة الحقيقة
لأصول وخصوم الشركة، بالإضافة إلى رقم المعاملات والتكاليف السنوية وما لها من
تأثير على الضريبية السنوية، ولدلك يجب على المحاسب أن يكون مؤطرا تأطيرا قانونيا
بالنصوص القانونية خصوصا وأن القانون الضريبي قانون متجدد من سنة لأخرى، فأي إغفال
لمستجد قانوني قد يكلف الشركة وبالتالي الرجوع بالمسؤولية على المكلف بمحاسبة داخل الشركة.
الفقرة الثانية: قانونية تطبيق تعليمات الرئيس
المباشر
إنه وفي إطار التعبية القانونية داخل الشركة يكون
المحاسب تحت سلطة مشغله أو رئس المقاولة أو المؤسسة، وبالتالي يكون مجبرا عليه
التقيد بالأوامر الصادرة عنه، تحت طائلة تعرضه لمسطرة العقوبات التأديبية أو الفصل
التي جاءت طبقا للمادة 20 من مدونة الشغل
''حيث أن الأجير يمتثل لأوامر المشغل في
نطاق المقتضيات القانونية أو التنظيمية، أو عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية،
أو النظام الداخلي''[3] ، ويستفاد من هاته المادة أن الأجير يخضع لسلطة رئيسه بشكل كامل
وبالتالي يكون ملزما بتطبيق تعليماته، إلا أن هاته التعليمات في بعض الأحيان قد
تكون مخالفة للقانون ، على سبيل المثال مطالبة الرئيس المباشر المحاسب بخفض أداء
الضريبية على القيمة المضافة ، أو الضريبة على الدخل أو الضريبية على الشركات،
بالإضافة مطالبته مثلا بخفض رقم الأعمال السنوي وذلك بعدم التصريح ببعض المبيعات
السنوية ، أو الزيادة من التكاليف السنوية للشركة وذلك من أجل خفض الضريبة
السنوية، بدون أي سند قانوني هاته الإجراءات
والتي تعتبر من الإخلالات الجسيمة حسب المادة 213 من المدونة العامة للضرائب حيث جاء :
يعد من الإخلالات الجسيمة:
§
عدم تقديم محاسبة ممسوكة
وفقا لأحكام المادة 145 من المدونة.
§
-انعدام الجرود المقررة في المادة 145 من
المدونة.
§
-إخفاء بعض الأشرية أو البيوع إذا أثبتت الإدارة
ذلك.
§
-الأخطاء أو الإفالات أو البيانات غير الصحيحة
الجسيمة والمتكررة الملاحظة فيما تتضمنه المحاسبة من عمليات.
§
-انعدام أوراق الإثبات الذي يجرد المحاسبة من كل
قيمة إثباتية.
§
عدم إدراج عمليات في
المحاسبة بالرغم من إنجاز الخاضع للضريبة لها.
§
-إدراج عمليات صورية في المحاسبة. [4]
فكيف للمحاسب من جهة احترام تعليمات المشغل
المخالفة للقانون، ومن جهة أخرى احترام القانون، هذا ما سنتطرق إليه في المطلب
الثاني.
المطلب الثاني: الحماية القانونية للمحاسب في الشركة
الفقرة الأولى: وسائل اثبات تطبيق القانون
إنه ومن
خلال الفقرة السابقة ، يتبين أن المحاسب وفي إطار عمله يجب أن يثبت أنه قام بما
يجب القيام به أي تطبيق القانون، وإبراء دمته وعدم مسؤوليته من أي خرق قانوني، و
بالتالي إعفاءه من أي مسؤولية قد تقع على عاتقه مستقبلا عند توفر حسن النية بطبيعة
الحال، وعليه يجب أن يشعر الرئيس المباشر
بأي إجراء كتابة، على سبيل المثال
أداء الضريبية المستحقة خلال نهاية الشهر أو الضريبية على الدخل أو
الضريبية السنوية ، وعليه يمكن للكتابة أن تكون الوسيلة الأمثل للمحاسب من أجل
إثبات ابراء دمته من أي مسؤولية، فمثلا اخبار الرئيس المشغل عن طريق الإيميل برقم الأعمال الذي يجب التصريح به خلال نهاية
الشهر بخصوص الضريبية على القيمة المضافة أو المبلغ الدي يجب تأديته خلال نهاية
الشهر للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أو الربح السنوي الصافي المفروضة عليه
الضريبية، إضافة لأية معاملة تجارية مع الأغيار وجب على الرئيس المباشر أن يكون على علم بها ،
وقد جاء
في المادة 417 من ظهير الالتزامات والعقود '' أن الدليل الكتابي ينتج من ورقة
رسمية أو عرفية ويمكن
أن ينتج كذلك عن المراسلات والبرقيات ودفاتر الطرفين وكذلك قوائم السماسرة الموقع
عليها من الطرفين على الوجه المطلوب والفواتير المقبولة والمذكرات والوثائق الخاصة
أو عن أي إشارات أو رموز أخرى ذات دلالة واضحة''[5]. والكتابة قد تكون ورقيا كما تكون على دعامة الكترونية
على سبيل المثال الإميل أو الفاكس أو الهاتف، حيث جاء في المادة 417 الفصل 1 ''أنه
تتمتع الوثيقة المحررة على دعامة إلكترونية بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها
الوثيقة المحررة على الورق، وتقبل الوثيقة المحررة بشكل إلكتروني للإثبات، شأنها
في ذلك شأن الوثيقة المحررة على الورق، شريطة أن يكون بالإمكان التعرف، بصفة
قانونية، على الشخص الذي صدرت عنه وأن تكون معدة ومحفوظة وفق شروط من شأنها ضمان
تماميتها''.[6]
الفقرة الثانية: بعض آثار عدم تطبيق القانون
يمكن
القول أن المحاسب قد يكون مسؤولا في حالة عدم القيام بالمهام المنوطة به، وبالتالي
تطبيق مقتضيات المادة 37 من مدونة الشغل في مواجهته إدا كان الخطأ المرتكب من طرف
غير فادح وبالتالي سلوك المسطرة التأديبية، كما أنه يمكن أن يكون موضوع فصل مباشر
إدا ثبت ارتكابه لخطأ فادح، وفي هدا الإطار تبقى للمحكمة السلطة التقديرية في
تحديد كون الخطأ المركب فادح أم لا.
وقد
يكون مسؤولا مسؤولية تضامنية حيث جاء في
المادة 183 بخصوص التضامن بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة والذي يعتبر من أهم
مستجدات قانون المالية لسنة 2024 في حالة التملص من الالتزامات المتعلقة بالإقرار
أو الأداء أو هما معا المنصوص عليها في هذه المدونة فيما يتعلق بالضريبة على
القيمة المضافة، يظل كل مسؤول عن التسيير المالي أو الإداري للمقاولة أو كل مستفيد
فعلي من مبلغ هذه الضريبة غير المدفوع لقابض إدارة الضرائب، ملزما على وجه التضامن
بالضريبة المستحقة وكذا الذعائر والزيادات المترتبة عليها[7]
في حالة تطبيق تعليمات الرئيس المباشر الغير
القانونية، ما عدى إذا أثبت أنه عمل على تطبيق القانون وبالخصوص إخبار الرئيس
المباشر بالتصريحات الضريبية القانونية وغيرها من المعاملات التي تدخل في نطاق
عمله وبالتالي التجرد من أي مسؤولية تضامنية محتملة.
[1] ظهير شريف رقم 1.92.138
صادر في 30 من جمادى الآخرة 1413 (25 ديسمبر 1992) بتنفيذ القانون 9.88 1 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب
على التجار العمل بها
[2] ظهير شريف رقم 1.92.138
صادر في 30 من جمادى الآخرة 1413 (25 ديسمبر 1992) بتنفيذ القانون 9.88 1 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب
على التجار العمل بها
[3] المادة 20 من مدونة الشغل
[4] المادة 145 من المدونة
العامة للضرائب لسنة 2024
[5] قانون الالتزامات والعقود
ظهير 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913(
[6] قانون الالتزامات والعقود
ظهير 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913(
من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله