إشكالات
عقود التجارة الإلكترونية وآليات تسوية النزاعات المثارة حولها
فتيحة موساوي
باحثة في سلك
الدكتوراه -الفقه المقارن بالقانون -كلية الشريعة -جامعة سيدي محمد بن عبد الله
فاس-
E-commerce contract issues and dispute resolution
mechanisms
Fatiha MOUSSAOUI
الملخص:
تثير عقود التجارة الإلكترونية العديد من
الإشكالات القانونية، أبرزها قانونية العقد، التوثيق، والاختصاص القضائي.
فالتعاملات عبر الإنترنت قد تفتقر إلى المعايير التقليدية للتوثيق، مما يثير
التساؤلات حول صحتها، خاصة في ظل تنامي استخدام العقود الذكية التي تعتمد على
التكنولوجيا. كما أن النزاعات التي تنشأ بين الأطراف، لا سيما عبر منصات دولية،
تجعل تحديد المحكمة المختصة أمرًا معقدًا.
لحل هذه النزاعات، تعد آليات التحكيم الإلكتروني
والوساطة الإلكترونية من الحلول الفعالة. حيث توفر هذه الآليات وسيلة سريعة لحل
الخلافات بعيدًا عن المحاكم التقليدية. ومن الضروري أن تتبنى التشريعات القانونية
مرونة لمواكبة هذه التحولات التكنولوجية في عالم التجارة الإلكترونية.
الكلمات المفتاحية: التجارة الإلكترونية، التحكيم الإلكتروني، حماية المستهلك، الوساطة
الإلكترونية.
Summary:
E-commerce
contracts raise many legal issues, most notably the legality of the contract,
documentation, and jurisdiction. Online transactions may lack traditional
standards of documentation, raising questions about their validity, especially
in light of the growing use of technology-driven smart contracts. Disputes that
arise between parties, especially across international platforms, make it
complicated to determine the competent court.
To
resolve these disputes, e-arbitration and e-mediation are effective solutions.
These mechanisms provide a quick way to resolve disputes away from traditional
courts. It is essential that legal legislations adopt flexibility to keep up
with these technological shifts in the world of e-commerce.
Keywords: E-commerce,
e-arbitration, consumer protection, Electronic mediation.
مقدمة:
ظهرت في العقود الأخيرة من القرن
العشرين العديد من التغيرات والتحولات التي أفرزتها معطيات التطور التكنولوجي،
فتسارع وتيرة نمو الابتكارات والتقنيات التكنولوجية ساهم في نقل المجتمعات عبر
الزمن إلى عصر المعلومات، وأدى إلى ميلاد وبروز العديد من التطبيقات والانشطة
الحديثة.
حيث أن امتلاك الثورة
التكنولوجية للعديد من عناصر القوة مكنها من إحداث تعديلات جذرية في مناهج وأنماط
العمل في كل الميادين، لاسيما المجال التجاري الذي يعد من أكثر القطاعات استجابة
للتقدم والابتكار التكنولوجي ومن أكثرها استخداما للتقنيات الحديثة والمتطورة، وبالتالي
تغيرت بعض قواعد التعاملات التجارية ونجم عنها ميلاد نوع حديث من المبادلات
التجارية وألغت نهائيا الحدود والقيود المادية والجغرافية، وهو ما أصبح يطلق عليه
التجارة الإلكترونية.
كما أصبحت التجارة الإلكترونية
سائدة في عالم اليوم، وساهمت في جعل هذا العالم مجرد قرية صغيرة وسوقا واحدا ،
تتعادل فيه الفرص الممنوحة لكل الشركات على اختلاف احجامها لاقتحام الاسواق
العالمية وترويج البضائع والسلع بكل يسر وسهولة متجاوزين بذلك كل الحدود، وكذلك
الحال بالنسبة للزبائن اللذين أصبح بمقدورهم اقتناء احتياجاتهم بمجرد نقرة واحدة
ودون الحاجة لمغادرة اماكنهم، وان المميزات العديدة التي يوفرها هذا النوع الحديث
من المبادلات التجارية التي تتم عبر وسيط إلكتروني يساهم في زيادة إدراك العديد من
الدول لأهمية تبني التجارة الإلكترونية، فالحاجة إلى إدراك هذا النوع من التجارة
لم يعد خيارا بل أصبح ضرورة حتمية تفرض وجودها على جميع الدول، ولكن درجة تطور هذه
التجارة تختلف من بلد لآخر، فقد استجابت العديد من الدول لهذا النمط من
المبادلات حسب أوضاعها.
إشكالية الدراسة:
بناء
على ما تم ذكره سابقا، ومن أجل الإحاطة الشاملة بموضوع الدراسة، يمكننا صياغة
إشكالية الدراسة على النحو التالي:
إلى أي
مدى يمكن ضمان حماية حقوق الأطراف في عقود التجارة الإلكترونية وتسوية النزاعات
الناشئة عنها؟
وللإجابة
عن هذه الإشكالية لابد من تجزيئها إلى أسئلة فرعية كالتالي:
- كيف يمكن حماية المستهلك في
عقود التجارة الإلكترونية؟
- ما هو دور الوساطة في حل النزاعات التجارية
الإلكترونية؟
أهمية
الدراسة:
تعتبر
حماية حقوق الأطراف في عقود التجارة الإلكترونية من أهم القضايا القانونية
المعاصرة. فمع تزايد الاعتماد على التجارة الإلكترونية في مختلف جوانب الحياة،
أصبح من الضروري وضع إطار قانوني متين يحمي حقوق جميع الأطراف المعنية، ويضمن
سلامة المعاملات الإلكترونية وشفافيتها.
منهج الدراسة:
لمعالجة
إشكالية موضوع الدراسة، تم اعتماد المنهج الوصفي لتوضيح المفاهيم المرتبطة بموضوع
البحث، إلى جانب المنهج التحليلي الذي استُخدم لتحليل الإشكالات الناتجة عن عقود
التجارة الإلكترونية وآليات تسوية النزاعات المثارة حولها.
الدراسات السابقة:
§
عادل السيد محمد علي، حماية المستهلك من الإعلانات
الإلكترونية المظللة في الفقه الإسلامي وقانون حماية المستهلك، جامعة الأزهر، مجلة
قطاع الشريعة والقانون، العدد 14، سنة 2023. هدفت هذه الدراسة إلى المقارنة
بين الفقه الإسلامي وقانون حماية المستهلك في التعامل مع الإعلانات الإلكترونية
المضللة. كما أنها سعت إلى الكشف عن الآليات التي تقدمها كل من الشريعة الإسلامية
والقانون الوضعي لحماية المستهلك من هذه الممارسات الضارة، وتسليط الضوء على أوجه
التشابه والاختلاف بينهما.
§
طارق البختي، التجارة الإلكترونية وآليات تسوية
النزاعات المرتبطة بها، مجلة الحقوق، العدد 21، سنة 2019. تناولت
هذه الدراسة القضايا القانونية المرتبطة بالتجارة الإلكترونية، مع التركيز بشكل
خاص على آليات تسوية النزاعات التي تنشأ عن المعاملات الإلكترونية. كما أنها سعت إلى
تحليل الإطار القانوني المنظم لتسوية هذه النزاعات، وتقييم فعالية الآليات
المتاحة.
محاور
الدراسة:
من أجل
الإحاطة الشاملة بموضوع الدراسة فإنه تم تقسيم الموضوع على النحو التالي:
المبحث الأول: إشكالات عقود
التجارة الإلكترونية
المبحث الثاني: الآليات الكفيلة بتسوية النزاعات المرتبطة
بالتجارة الإلكترونية
المبحث الأول: إشكالات عقود التجارة الإلكترونية
تنتج عن التجارة الإلكترونية
مجموعة من الإشكالات، تتمثل في إشكالية الاثبات وهو ما سأتطرق إليه في (المطلب
الأول)، وكذلك إشكالية حماية المستهلك (المطلب الثاني).
المطلب الأول: إشكالية الإثبات في
عقود التجارة الإلكترونية
تقوم التجارة الإلكترونية على أساس العقد
الإلكتروني[1] فبدونه
لا يمكن الحديث عن تجارة إلكترونية، فالعقد الإلكتروني هو ذلك "الاتفاق
الذي يتلاقى فيه الإيجاب بالقبول على شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد وذلك
بوسيلة مسموعة مرئية، بفضل التفاعل بين الموجب والقابل".
كما عرفه بعض الفقه بأنه: «العقد
الذي تتلاقى فيه عروض السلع والخدمات بقبول من أشخاص في دول أخرى وذلك من خلال
الوسائط التكنلوجية المتعددة ومنها شبكة المعلومات الدولية الانترنت بهدف إتمام
العقد»[2]، هذا
العقد اشترط المشرع المغربي من خلال القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل
الإلكتروني للمعطيات القانونية مجموعة من الشروط حتى يصبح منتجا لآثاره القانونية
ومن تم صحة المعاملات المرتبطة به وذلك بمقتضى المادة 5-65 من هذا القانون[3].
إن التعاقد الإلكتروني يشكل عصب التجارة
الإلكترونية وحجز الزاوية فيها، يؤثر سلبا وإيجابا في هذا النوع من التجارة، ذلك
أنه تثار العديد من الإشكاليات المرتبطة باعتماد التجارة الدولية من لدن
المتعاملين، ومن بينها مسألة توافر الأهلية ورضا الأطراف عند التعاقد.
إذ تعتبر الأهلية من الأمور التي نظمتها مختلف
التشريعات وحددت لها ضوابط قانونية يتعين مراعاتها واحترامها وتوافرها عند إبرام
العقد، حيث يجب أن يتوافر في المتعاقد بلوغه السن القانوني للتعاقد وعدم تأثر
أهليته عند إبرام العقد وذلك مخافة ضياع حقوقه وتحمله لالتزامات ما كان ليتحملها
لو كانت أهليته سليمة، ومن تم فأنه فيما يتعلق بالأهلية فيتم في هذا الصدد الرجوع
إلى القواعد العامة للأهلية، وإن كان المرجع في التشريع المغربي هو بعض القوانين
الخاصة[4].
كما هو الحال بالنسبة لمدونة الأسرة ولاسيما
المادة 208 منها والتي نصت على ما يلي:
<أهلية الأداء هي صلاحية الشخص
لممارسة حقوقه الشخصية والمالية ونفاذ تصرفاته، ويحدد القانون شروط اكتسابها
وأسباب نقصانها أو انعدامها>[5]،
ومن تم فإن التأكد من أهلية الشخص عند إبرامه لعقد إلكتروني ومن تم ممارسة التجارة
إلكترونيا تعد مسألة غاية في الصعوبة إذ يصعب التأكد والتحقق من أهلية المتعاقد
آنذاك، بل تثار مسألة مدى احترام أحد الأطراف المتعاقدة لشرط الأهلية خاصة وأن
تشريعه الوطني يفرض أحيانا سنا معينا وهو ما لا يتم احترامه من طرف المتعاقد بداعي
أن الإنترنت يعد فضاء موحدا تنصهر فيه الحدود الجغرافية بين المتعاقدين.
والجدير بالذكر أن الاجتهاد القضائي الفرنسي ذهب
إلى تبني مفهوم <الوكالة الضمنية> حينما اعتبر أن القاصر وكيل
ضمني عن والده بحيث يمكن مساءلة والد القاصر عقديا[6].
ومن الإشكاليات المرتبطة بالتجارة
الإلكترونية نجد مسألة الرضا، ذلك أن رضا المتعاقدين ما هو إلا خلاصة ونتيجة
لتوافق إرادتهم وتطابق إيجابهم بقبولهم، فإذا كان عنصر الرضا يكون عرضة للتأثر
بفعل أحد العيوب التي تصيبه أثناء مجلس العقد كالغلط أو التدليس أو
الغبن وغيرها من العيوب الأخرى، فكيف يمكن للتعاقد بين غائبين ألا يتأثر خلاله رضا
الأطراف المتعاقدة عن بعد بكيفية إلكترونية لاسيما وأن هذا النوع من التعاقد من
السهل أن تشوبه العديد من التجاوزات والخروقات التي من شأنها المساس والتأثير على
أحد الأطراف المتعاقدة، وذلك كانتحال صفة معينة من شأنها أن تساهم في تغليط الطرف
الآخر وكذا استعمال وثائق مزورة تدليسية قصد التأثير على أحد المتعاقدين وحثه على
إبرام العقد، الأمر الذي يصعب معه التأكد في بعض الأحيان من هذه الأمور.
فبالنسبة للتشريع المغربي فإن
مسألة الرضا في العقود الإلكترونية تخضع للقواعد العامة وذلك بمقتضى الفصول من 14
إلى 56 من قانون الالتزامات والعقود، باستثناء الفصول من 23 إلى 30 والفصل 32 غير
أنه أثار جدلا فقهيا انتهى باعتبار أن جهاز الحاسوب مجرد وسيلة يسخرها لتوصيل
إرادة المتعاقد للمتعاقد الآخر[7]، فهو تعاقد
بين غائبين متى تم استعمال البريد الإلكتروني في عملية التعاقد[8]،
فالرضا هو النتيجة النهائية لتعبير الأطراف المتعاقدة عن إرادتهم سواء باللفظ أو
الكتابة أو بالإشارة المعهودة عرفا أو بالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي
واتخاذ مسلك يكون من خلاله التعبير واضحا يدل على الإرادة الحقيقية للمتعاقدين.
ثانيا: مسألة إثبات عقود التجارة
الإلكترونية
من الأمور التي تطرح إشكالا
عميقا على مستوى التجارة الإلكترونية، نجد مسألة إثبات عقود التجارة الإلكترونية
وهو ما حدا بالعديد من التشريعات إلى إفراد حماية قانونية لعقود التجارة
الإلكترونية وذلك في ظل صعوبة إثبات إبرام العقود المرتبطة بها، فمسألة الإثبات تعد
بالأهمية لما كان لذلك من تأثير على المراكز القانونية للأطراف المتعاقدة وكذا
الحقوق والالتزامات المتبادلة فيما بينها.
وعليه فإن المشرع المغربي على غرار باقي
التشريعات عالج مسألة الإثبات في المعاملات الإلكترونية وذلك بمقتضى القانون رقم
53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية من خلال المادتين 4 و5 من
هذا القانون، وذلك حينما فرض الكتابة كشرط لإثبات العقد الإلكتروني، فالكتابة هنا
ليست شرطا للانعقاد وإنما شرطا للإثبات.
ولم يتعرض المشرع لتحديد المقصود
بالكتابة، إذ ترك الأمر للقضاء الذي فرق بين نوعين من المحررات العرفية والرسمية،
وقد عرَّف الأولى بأنها "الأوراق التي تصدر من الأفراد، والتي لا يدخل موظف
عام في تحريرها"، والثانية بأنها "المحررات التي يدونها الموظف الرسمي
في السجلات وفقاً للأوضاع المقررة قانونا"[9].
فالإيجاب الإلكتروني هو
"تعبير عن إرادة الموجب والموجه إلى الطرف الآخر بقصد إحداث أثر
قانوني"، ويترتب عليه انعقاد العقد إذا اقترن بقبول مطابق له[10]، وقد
تناول المشرع المغربي الإيجاب الإلكتروني في الفصل 65-3 من قانون 53.05. بحيث حدد ثلاث حالات تدخل في إطار العرض:
-الحالة الأولى: هي وضع الإيجاب
في شكل عروض تعاقدية أو معلومات متعلقة بسلع أو خدمات رهن إشارة العموم من أجل
إبرام عقد من العقود.
-الحالة الثانية: والتي يطلب
فيها شخص معين بالذات معلومات إبرام العقد.
-الحالة الثالثة: يتعلق الأمر
بتوجيه معلومات أثناء تنفيذ العقد.
والملاحظ أنه في الحالة الأولى
يمكن استعمال كل الوسائل الإلكترونية في العرض بما في ذلك البريد الإلكتروني
والويب إذا تعلق الأمر بالتوجيه المطلق لجمهور الناس، أما في الحالتين الأخريين
فإن الوسيلة محددة في البريد الإلكتروني لأن الأمر يتعلق بشخص معين بالذات، حيث
اشترط القانون موافقة هذا الأخير صراحة على استعمال تلك الوسيلة في العرض.
هذا وقد حدد الفصل 4-65
الشروط التي يجب أن يتضمنها العرض وكذا الوسائل التي تمكن المرسل إليه من التحقق
من تفاصيل هذا العرض ومنها على الخصوص:
-إلزامية وضع الاستمارة رهن
إشارة المطلوب منه تعبئتها إلكترونيا إذا كان مرسل العرض يشترط إدراج المعلومات في
استمارة.
-إلزامية وضع الشروط التعاقدية
رهن إشارة عموم الناس مع تمكينهم من استنساخها والاحتفاظ بها.
-التزام مرسل العرض طيلة المدة
التي حددها لعرضه، والتزامه به كذاك متى ظل الولوج إليه مسموحا في الحالة التي لم
يحدد مدة لعرضه.
أما القبول الإلكتروني فهو تعبير
عن إرادة من وجه الإيجاب إليه وبتوافقه مع الإيجاب يقوم العقد[11]، وقد
تناول المشرع المغربي القبول الإلكتروني في القانون رقم 53.05 من خلال الفصل 5-65
تحت عنوان إبرام العقد بشكل إلكتروني[12].
وعليه فإن المشرع المغربي من
خلال القانون السالف الذكر اشترط اعتماد الكتابة كوسيلة لإثبات المعاملات
الإلكترونية، بل الأكثر من ذلك أقر بحجية المحررات الإلكترونية في الإثبات شريطة
صدورها وفقا للإجراءات الشكلية المتطلبة قانونا ومنها الكتابة، إذ نص على ذلك في
الفصل 1-2 من القانون رقم 53.05 على ضرورة تحرير المحرر الإلكتروني. ومفاد كلمة تحرير هنا ما هو إلا الكتابة وهذا ما أكده الفصل 1-417 من نفس
القانون والذي جاء فيه "تتمتع الوثيقة المحررة على دعامة إلكترونية بنفس قوة
الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق.
تقبل الوثيقة المحررة بشكل
إلكتروني للإثبات، شأنها في ذلك شأن الوثيقة المحررة على الورق، شريطة أن يكون
بالإمكان التعرف بصفة قانونية، على الشخص الذي صدرت عنه وأن تكون معدة ومحفوظة وفق
شروط من شأنها ضمان تماميتها". فالكتابة هي الأسلوب الذي يتم من خلاله
التعبير عن الإرادة بشكل مادي ظاهر في شكل معادلات خوارزمية تنفذ من خلال عمليات
إدخال البيانات وإخراجها عبر شاشة الحاسوب والتي تتم عن طريق تغذية
الجهاز بهذه المعلومات بواسطة وحدات الإدخال والتي تتبلور في لوحة المفاتيح أو
استرجاع المعلومات المخزنة في وحدة المركزية.
وحتى يحظى المحرر الإلكتروني بحجيته
وقوته الثبوتية فإنه لا بد أن يشتمل على توقيع صاحبه وذلك عن طريق التوقيع
الإلكتروني، حيث اعتبرت مختلف التشريعات أن هذا النوع من التوقيع ينتج آثاره
القانونية بمجرد صدوره عن صاحبه وهو ما أكدته العديد من الاتفاقيات الدولية منها
اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بعقود البيع الدولي للبضائع في فيينا سنة 1980
واتفاقية نيويورك لسنة 1972 المتعلقة بالتقادم في البيوع الدولية للبضائع، على أن
حجية التوقيع على المحرر الإلكتروني لا تكتمل في التشريع المغربي إلا بعد توثيق
المحرر والمصادقة عليه من طرف السلطة الوطنية المكلفة باعتماد ومراقبة المصادقة
الإلكترونية.
ومن تم فإن المشرع المغربي مهد
الطريق بمقتضى الفصل 417 من قانون الالتزامات والعقود للاعتراف بحجية المحررات
الإلكترونية ومن تم اعتمادها كوسيلة من وسائل الإثبات. وما ينطبق على المحرر الإلكتروني يسري على التوقيع الإلكتروني من حيث
اعتماده كوسيلة إثبات لكن شريطة توافر الشروط المتطلبة قانونا والمنصوص عليها في
القسم الثاني من القانون رقم 53.05 خاصة في البابين الأول والثاني منه، حيث نجد
المشرع المغربي يتحدث عن التوقيع الإلكتروني المؤمن والمشفر ثم المصادقة على هذا
التوقيع من طرف السلطات الوطنية المكلفة باعتماد ومراقبة المصادقة الإلكترونية حتى
يتمتع هذا التوقيع بالحجية القانونية ومن تم اعتماده كأداة من أدوات الإثبات
القانونية.[13]
المطلب الثاني: إشكالية حماية المستهلك في عقود
التجارة الإلكترونية
مع تزايد الاعتماد على التجارة
الإلكترونية، تبرز أهمية حماية المستهلك كركيزة أساسية لضمان تعاملات عادلة
وشفافة، كما تواجه الأنظمة القانونية تحديات جديدة في صياغة قوانين تحمي
المستهلكين من المخاطر المحتملة وتضمن حقوقهم في بيئة رقمية متغيرة.
أولا: الالتزام العام بالتسليم أو
بالأداء للخدمة
أجمعت جميع الدراسات الحديثة
المرتبطة بالتحديات القانونية للتجارة الإلكترونية، على إدراج المشكلات المتعلقة
بالالتزام بالتسليم أو بالتوريد داخل نطاق ما أصبح يعرف بحماية الزبون المستهلك في
مجال التعاقد الإلكتروني وفي هذا الإطار تم إدراج العديد من التحديات التي أصبحت
تفرض نفسها بقوة على شيوع الثقة في مجال المعاملات الإلكترونية كتبيان ظروف
التسليم، أو توفير الخدمة وما يرتبط بها من أمور تكميلية.
أ ـ الالتزام بتسليم السلعة:
يعد الالتزام بالتسليم أهم
التزامات التي تقع على عاتق المورد في إطار القواعد العامة المنظمة للعقود بصفة
عامة، وتزداد هذه الأهمية في العقود الموجهة بوسائل إلكترونية بصفة خاصة سواء من
حيث موضوع التسليم وطبيعته أو زمان ومكان التسليم.
نصت المادة 242 من قانون
الالتزامات والعقود المغربي على أنه "لا تبرأ ذمة المدين إلا بتسليم ما ورد
في الالتزام، قدرا وصنفا لا يحق له أن يجبر الدائن على قبول شيء آخر غير المستحق
له، كما أنه ليس له أن يؤدي الالتزام بطريقة تختلف عن الطريقة التي حددها أمام
السند المنشئ للالتزام أو العرف عند نشوء هذا السند".
كذلك نصت المادة 498 من نفس
القانون والخاصة بعقد البيع على أنه "يتحمل البائع التزامين أساسيين:
الالتزام بتسليم الشيء المبيع والالتزام بضمانه".
-
موضوع التسليم:
يكون موضوع التسليم هو السلعة
المعروضة والمتفق عليها في عقد البيع الإلكتروني والسلعة موضوع البيع، قد تكون ذات
طبيعة مادية كالآلات والتجهيزات الإلكترونية أو كتب أو أشرطة... إلى غير ذلك من
المنقولات ذات الكيان المادي المحسوس. ويكون التزام البائع في هذه الحالة هو تسليم
الشيء نفسه المضمن في الإيجاب إذا كان معينا بالذات في العقد، أما إذا كان معينا
بالنوع فيبقى الرجوع إلى شروط العقد ضروريا لتحديد النوع المعني بالتعاقد، كما قد
يساعد العرف والمعاملة السابقة في حالة غياب مثل هذا التحديد في العقد الالكتروني،
وفي كلتا الحالتين يبقى التزام المعلن بتسليم السلعة ذات صنف متوسط الجودة يراعى
فيه الثمن المقدم وثمن السوق، أما إذا كانت السلعة ذات طبيعة معنوية أي كانت ذات
كيان معنوي غير محسوس كالبرمجيات مثلا أو مصنفات صوتية أو مرئية فالمبيع يأتي
عامة، مطابقا للأوصاف التي تضمنها الإيجاب. والتزام البائع بتسليم المبيع بالحالة
التي كانت عليها وقت العقد هو التزام بتحقيق نتيجة، فالبائع يلتزم بتسليم المبيع
ذاته وليس شيئا آخر ولو كان أفضل منه، فلا يجبر المشتري على قبول شيء آخر غير الذي
التزم به المعلن ولو كان هذا الشيء أفضل. كذلك إذا كان المبيع معينا بالنوع فإن
البائع يلتزم بتسليمه كله إلى المشتري لا بجزء منه[14].
وإذا أخل المشتري بالتزاماته
العقدية، بأن امتنع أو تأخر عن تسليم الشيء المبيع في الموعد المحدد له، فإنه
يعتبر في حالة مطل وتقع عليه مسؤولية هلاك الشيء وتعيبه، ولا يكون البائع مسؤولا
إلا عن تدليسه أو خطئه الجسيم[15].
ويتم الالتزام بالتسليم حين
يتخلى البائع أو نائبه عن الشيء ويضعه تحت تصرف المشتري، بحيث يستطيع هذا الأخير حيازته بدون عائق.
-
زمان ومكان التسليم:
العقد المبرم بين المتعاقدين هو
الذي يحدد زمان التسليم وقد يكون ذلك فور إبرام العقد أو بعد إبرامه في أجل معني
أو في آجال متتالية، فإذا لم يوجد اتفاق على زمان التسليم فيجب أن يتم التسليم فور
الانتهاء من إبرام العقد، ما لم تقضي طبيعة الشيء المبيع أو العرف وقتا آخر، بينما
كان المشرع الفرنسي واضحا أكثر في تحديده لأجال التسليم حماية لحقوق المستهلك الذي
ينوي الشراء عبر الإنترنت باعتباره الحلقة الأضعف في عملية البيع الإلكتروني.
كما ينص الفصل 502 من ق ل ع على
أنه "يجب أن يتم التسليم في المكان الذي كان الشيء موجودا فيه عند البيع ما
لم يتفق على غير ذلك". فالأصل في تحديد مكان العقد هو العقد ذاته، إلا أنه في
غياب هذا التنصيص صراحة في العقد، لابد من الرجوع إلى المقتضيات القانونية الواردة
في قانون الالتزامات والعقود، فمكان التسليم هو مكان تواجد المبيع وقت انعقاد
البيع، وخارج هذا المقتضى وجب على البائع أن ينقل المبيع إلى المكان المبين بالعقد[16].
-
نفقات التسليم:
تكون نفقات تسليم المبيع على
البائع في الأصل، إلا إذا كان هناك اتفاق أو نص بغير ذلك[17].
إن المشرع لم يشر صراحة إلى وجوب
إعلام المستهلك بمن يتحمل نفقات التسليم، إلا أن هذا الشرط يمكن أن يفهم من
مقتضيات أخرى منها ما تحيل صراحة على ضرورة تضمين الغرض الإلكتروني شرط بيع
السلعة، ومن شروط البيع معرفة على من تؤول نفقات التسليم لتأثير ذلك على الثمن
الحقيقي للسلعة، كما أن هناك مقتضى قانوني آخر نص عليه المشرع في باب إبرام العقد
بشكل إلكتروني حيث اشترط لصحة إبرام العقد أن يكون من أرسل العرض إليه قد تمكن من
التحقق من تفاصيل الإذن الصادر عنه ومن السعر الإجمالي ومن تصحيح الأخطاء
المحتملة، وذلك قبل تأكيد الإذن المذكور لأجل التعبير عن قبول مفهوم السعر
الإجمالي يشتمل إضافة إلى ثمن السلعة النفقات الإضافية والمرتبطة بها، كنفقات
التسليم ونفقات مرور السلعة أو الرسوم الجمركية، والتكاليف الضريبية التي قد يخضع
لها الشيء المبيع[18].
ب ـ الالتزام بتقديم الخدمة:
صنفت التجارة الإلكترونية عالميا
ضمن مفهوم الخدمات، وذلك في إطار سعي منظمة التجارة العالمية إلى إيضاح طبيعتها
وإطارها القانوني، وقد تقرر ذلك في التقرير الصادر عن مجلس منظمة التجارة الدولية
الخاص بالتجارة في الخدمات بتاريخ 1999/03/17 والمقدم إلى المجلس العام لمنظمة
التجارة الدولية، حيث ذهب هذا التقرير إلى أن " تزويد الخدمات بالطرق التقنية
يقع ضمن نطاق الاتفاقية العامة للتجارة عن الخدمات (جاتس، Gats) باعتبار أن الاتفاقية تطبق على كافة الخدمات بغض النظر عن طريقة
تقديمها"[19].
-
طبيعة الالتزام بتقديم الخدمة:
نلاحظ أن الالتزام بتقديم خدمة
يعد التزاما مستمرا زمنيا، حيث غالبا يستمر هذا الالتزام فترة من الزمن فالاشتراك
مثلا في بنك المعلومات على شبكة الإنترنت ليس عقد فوري في تنفيذه ولكنه عقد متتابع
في التنفيذ إذ يستغرق فترة زمنية من الوقت، لذا يظل للالتزام بالتعاون أهميته لحسن
تنفيذ العقد والوصول إلى الغرض المنشود. ذلك أن تعاون العميل مع المورد يقابله
التزام هذا الأخير بالإعلام وتقديم النصائح الفنية التي تمكن المتعاقد من الحصول
على أفضل خدمة من خلال الحصول على المعلومات التي يحتاج إليها، فمثلا ينصحه بشراء
المعدات اللازمة والمناسبة حيث يسهل حدوث اتصال وتفاعل بينه وبين بنك المعلومات،
وكذلك الوثائق والمستندات التي يمكن أن تكون دليلا في هذا الصدد حيث الوصول إلى
منطقة داخل قاعدة المعلومات، كذلك يجب تدريب وإعداد العميل فنيا سواء عن طريق
إرسال خبراء إلى العميل في محل عمله أو عن طريق بت دورات تعليمية من خلال شبكة
الانترنت[20].
-
أشكال الالتزام بتقديم الخدمة:
عرف
استعمال بعض وسائل الاتصال (telecommunication) في
مجال البيع مثل الهاتف، الفاكس وخاصة التلفون نموا كبيرا وتنوعا سرعا، مما أدى إلى
ظهور نوع جديد من البيوع أكثر اتساعا من البيع بالمراسلة أطلق عليه اسم
"البيع عبر المسافات" أو "العقود المبرمة عن بعد (distance)"[21].
وبهذا أصبحت شبكة الإنترنت تقدم
العديد من الخدمات، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر عقود إنشاء المتاجر
الافتراضية، وعقود الإيواء، وعقود الاشتراك في بنوك المعلومات إلى غيرها من العقود
المختلفة والمتنوعة.
-عقد الإيواء: يلتزم فيه المعلن
بتقديم إمكانياته الفنية والتقنية أو جزءا منها فقط تحت تصرف الزبون ليستعملها في
أغراضه وتحقيق مصالحه، ووفق الرؤية التي تناسبه.[22]
-عقد إنشاء المتجر الافتراضي: هو
عقد من عقود الخدمات الإلكترونية ويطلق عليه البعض عقد المشاركة وفيه يلتزم مقدم
الخدمة أو صاحب المركز بأن يسمح للمشارك فتح متجر أو بوتيك افتراضي في المركز
الافتراضي الذي يملكه، وذلك بأن يرخص له باستخدام برنامج خاص يتيح له ممارسة
الأعمال التجارية على شبكة الإنترنت نظير مقابل مادي يدفعه إلى صاحب المركز
الافتراضي.
-عقد الدخول إلى الشبكة: وهو عقد
يبرم بين العميل أو المشترك، وبين متعهد الربط والذي هو الشركة التي تقدم خدمة
الاتصالات والتي يطلق عليها البعض متعهد الوصول أو عامل الاتصالات كما
يسميها البعض الآخر.[23]
ثانيا: الالتزام التبعي في الإعلام
والخصوصية
تنطلق حماية المستهلك في البيئة
الرقمية من رؤيا محددة المعالم واضحة الأهداف باتخاذ حزمة من الوسائل والإجراءات
القانونية ومنها بالخصوص الحق في إعلام المتعاقد إعلاما كاملا وإجباريا، أو الحق
في حماية الخصوصية لدى المتعاملين بوسائل الاتصال الحديثة.
أ ـ الحق في الإعلام:
يعد الالتزام بإعلام المتعاقد
قبل أن يتعاقد مع البائع أو المنتج على شبكة الإنترنت من إحدى المبادئ المتفرعة عن
مبدأ حسن النية الذي يجب أن يسود المفاوضات التي تسبق إبرام العقد[24]، كما
يحتمل أن يكون إيجابا بالمعنى القانوني، كما يحتمل أن يكون مجرد دعوى للتفاوض أو
التعاقد، دون أن يرقى إلى درجة الإيجاب الحقيقي. وتأتي أهمية إعلام المستهلك
بالسلعة أو الخدمة في مجال المبادلات الإلكترونية على الأخص، وذلك لأن كلا من
البائع والمشتري يوجدان في مكان بعيد عن الآخر، والسلعة المعروضة على شبكة
الإنترنت لا يستطيع المشتري معاينتها على الطبيعة، والتأكد من سلامتها وملاءمتها
لاحتياجاته الشخصية.
-
ممارسة حق الرجوع:
إن حق المستهلك في الرجوع عن
العقد يعني إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، ويكون بأن
يرد المستهلك المنتوج الذي تم تسليمه إليه مادام أن ثمة مبررا معقولا. غير
أن خصوصية هذه المسألة والتعاقد عن بعد يعد خاليا من مضمونه حيث يتسم بعدم
الفعالية بصدد تجارة الإلكترونيات في حد ذاتها حيث الخاصية اللامادية تحول دون
تنفيذ المستهلك لأثر ممارسة حقه في العدول[25]. في
القواعد الخاصة بحماية المستهلك سلك كل من المشرع اليمني والمغربي نفس النهج في
اعتبار كل شرط تعسفي يرد في عقد أو وثيقة أو مستند أو غير ذلك مما يتعلق بالتعاقد
مع المستهلك باطلا بطلانا مطلقا، وهذه السلطة في عمومها وشمولها أداة قوية في يد
القاضي يحمي بها المستهلك من الشروط التعسفية التي تفرضها عليه شركات الاحتكار،
والقاضي هو الذي يملك حق التقدير ما إذا كان الشرط تعسفيا ولا معقب لمحكمة النقض
على تقديره مادامت عبارة العقد تحتمل المعنى الذي أخذ به فله أن يعدله بما يزيل
أثر التعسف، بل له أن يلغيه، ويعفي الطرف المذعن منه[26].
أما في القانون المغربي فإنه ليس
هناك نص صريح يعطي للقضاء حق التدخل التلقائي في المنازعة المتعلقة بالشروط
التعسفية، لكن يمكن أن نفهم بأن المشرع المغربي لما جعل القسم الثالث المتعلق
بحماية المستهلك من الشروط التعسفية من النظام العام بأنه مؤشر وإشارة للقضاء بأن
يلعب هذا الأخير دورا إيجابيا في حماية النظام العام، والتي تجسد حماية المستهلك
من الشروط التعسفية أحد مكوناته[27].
-
أحكام حق الرجوع:
أعطت المادة 36 من الباب الثاني
المتعلق بالعقود المبرمة عن بعد من القانون 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية
المستهلك، للمستهلك أجل:
-سبعة أيام كاملة لممارسة حقه في
التراجع.
-30 يوم لممارسة حقه في التراجع
في حالة ما لم يف المورد بالتزامه بالتأكيد الكتابي للمعلومات المنصوص عليها في
المادتين 29 و32 من نفس القانون، وذلك دون الحاجة إلى تبرير ذلك أو دفع غرامة
باستثناء مصاريف الإرجاع إذا اقتضى الحال ذلك.
وتسري الآجال المشار إليها في
الفترة السابقة ابتداء من تاريخ تسليم السلعة أو قبول العرض
فيما يتعلق بتقديم الخدمات.
وعند ممارسة حق التراجع بمقتضى
المادة 37 من نفس القانون يجب على المورد أن يرد إلى المستهلك المبلغ المدفوع
كاملا على الفور وعلى أبعد تقدير داخل 15 يوما الموالية للتاريخ الذي تمت فيه
ممارسة الحق المذكور، وبعد انصرام الآجال المذكور تترتب بقوة القانون على المبلغ
المستحق فوائد بالسعر القانوني المعمول به. غير أنه لا يمكن ممارسة حق التراجع
بمقتضى المادة 38 من قانون حماية المستهلك إلا إذا اتفق الطرفان على خلاف ذلك.
في حالة عدم تنفيذ المورد للعقد
بسبب عدم توفر المنتوج أو السلعة أو الخدمة المطلوبة، يجب أن يبلغ ذلك إلى
المستهلك وعند الاقتضاء، أن ترد إليه المبالغ التي دفعها على الفور وعلى أبعد
تقدير خلال 15 يوما الموالية لأداء المبالغ المذكورة، وبعد انتهاء الأجل المذكور
تترتب على المبالغ المذكورة فوائد بالسعر القانوني وذلك بمقتضى المادة 40 من نفس
القانون. ومع ذلك وعلى الرغم من أهمية الحق في التراجع في مجال حماية المستهلك
فإنه لا يسمح مبدئيا للمستهلك أن يفرض استبدال المنتوج إلا في الحالة الخاصة
الواردة في المادة 41 من قانون حماية المستهلك. وفي هذا الصدد، لا يسعفنا إلا أن
ننوه بالمقتضى الهام الذي جاء به قانون تدابير حماية المستهلك من خلال الفقرة 17
والمادة 18 التي اعتبرت شرطا تعسفيا، كل إلغاء أو عرقلة لحق المستهلك في إقامة
دعوى قضائية من خلال الحد بوجه غير قانوني من وسائل الإثبات المتوفرة لديه أو
إلزامه بعـــــبء الإثبات الذي يقع عادة على طرف آخر في العقد.[28]
ب-الحق في الخصوصية:
يعد الحق في الخصوصية أو الحق في
حماية الحياة الخاصة واحدا من بين حقوق الإنسان المعترف بها، فقد أظهر الواقع
العملي وجوب التدخل التشريعي لتنظيم أنشطة معالجة البيانات المتصلة بالشخص، وتنظيم
عمليات تخزينها في بنوك وقواعد المعلومات وعمليات تبادلها، وهذا التنظيم التشريعي
ليس مجرد إفراد قواعد ذات محتوى تنظيمي، بل امتد إلى إفراد قواعد تتصل بالمسؤولية
المدنية والجزائية عن أنشطة مخالفة قواعد التعامل مع البيانات الشخصية سواء ما
يرتكب من قبل القائمين على هذه الأنشطة أم من قبل الغير، إضافة إلى التدخل
التشريعي لتنظيم استخدام ونقل وتبادل وكشف المعلومات المتصلة بالمصالح الحكومية
المختصة[29]، كما
أن المشرع المغربي اعتمد الأداة الزجرية من خلال النص على تجريم مجموعة
من الأفعال التي ترتكب في هذا الصدد ويمكن أن تهدد استقرار الاقتصاد الوطني
والنظام الاجتماعي للدولة[30].
-
حماية الخصوصية:
أظهرت الدراسات في بيئة التجارة
الإلكترونية مخاطر عدم ثقة المستخدمين بالإنترنت بسبب الخصوصية، وأصبح يشكل هذا
الموضوع محمل الجد وأحيانا عامل خطير يهدد أعمالها باعتبار أن عدم الثقة بالتجارة
الإلكترونية بسبب الخشية على الخصوصية يمثل عائقا فاعلا لها بذاتها والبيئة
الرقمية ككل[31].
وفي إطار مكافحة الجرائم
المعلوماتية يتعين تتبعها تصادم التفتيش عن الأدلة في الجرائم المعلوماتية مع الحق
في الخصوصية المعلوماتية، نظرا لشيوع التشبيك بين الحواسيب وانتشار الشبكات
الداخلية على مستوى المنشآت والشبكات المحلية والإقليمية والدولية[32].
إن تنظيم مجال حماية المستهلك في المغرب أصبحت ضرورة ملحة خاصة للعموم وهذا
يجد تفسيره في كثرة وتنوع العروض مع المنافسة القوية في مجال التجارة الحرة هذه
الوضعية تستدعي وجود هياكل قضائية متميزة تستجيب للعلاقات التعاقدية[33].
المبحث الثاني: الآليات الكفيلة بتسوية النزاعات المرتبطة بالتجارة
الإلكترونية
إن عقود التجارة الإلكترونية
الدوليــــــــــــة تثير العديد من الإشــــــــــكاليات في القانون الدولي
الخاص، إذ من الطبيعي أن تثور نزاعات بين أطراف هذه العقود تبتدأ بتحديد الاختصاص
القـــــــضائي وكذا إشكالية تحديد القانون الواجب التطبيق عليها ومدى قدرة قواعد
القانــــــــــــون الدولي الخاص التقليدية على الوصول إليه،
ثم إشكال تحديد الجهة القضائية المختصة بتسوية
المنازعات التي تنشأ عن هذا النوع من العقود (المطلب الأول)، ومن ثم مدى
قدرة القضاء عن حل هذه المنازعات أم أن التحكيم الإلكتروني يبقي هو الكفيل بحل
هذه المنازعات (المطلب الثاني).
المطلب الأول: دور القضاء في تسوية
المنازعات المترتبة عن عقود التجارة الإلكترونية:
أولا: تحديد المحكمة المختصة بتسوية المنازعات الإلكترونية
ان المعاملات التجارية سواء
التقليدية منها أو حتى الإلكترونية لا تخلوا من نزاعات بين الأطراف المتعاقدة خاصة
فيما تعلق الأمر بتنفيذ العقد والقانون الواجب التطبيق عند وقوع النزاع، ولإيجاد
حل لهذا النزاع تلجأ الأطراف المتنازعة إلى القضاء من أجل الفصل فيه. فمن البديهي
أن الغاية من إبرام العقد هي أن يتم تنفيذه طواعية، إلا أن التنفيذ الاختياري قد
لا يتحقق كله أو جزء منه بصورة مطابقة لشروط العقد[34]،
الأمر الذي يفتح الباب أمام الدائن إلى سلوك مسطرة التنفيذ الجبري أمام السلطة
القضائية وهو ما يتطلب تحديد المحكمة المختصة للنظر في النزاع. لكن،
وإذا كان الأمر كذلك فإن تحديد المحكمة المختصة بتسوية المنازعات الإلكترونية
الدولية يطرح بدوره إشكالا عميقا، لاسيما وأن عددا قليلا من التشريعات تطرقت
لمسألة تسوية المنازعات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية وذلك إلى جانب بعض الفقه[35] الذي
بدوره تطرق إلى قواعد تحديد الاختصاص القضائي في القوانين الداخلية والاتفاقيات
الدولية ومحاولة معالجتها لتحديد المحكمة المختصة بتسوية المنازعات المتعلقة
بالتجارة الإلكترونية الدولية.
فمسألة الاختصاص الدولي تطرح
عندما تتضمن الدعوى عنصرا أجنبيا أو أن يكون موضوع الدعوى يتناول حقا موجودا في
الخارج أو عملا قانونيا تم في أرض دولية أجنبية أو حادث وقع في الخارج، فغالبية
الأنظمة القانونية تستلزم حتى تختص محاكمها بالنزاع المعروض عليها فهي تستلزم وجود
علاقة أو صلة تربط بين هذا العقد المعروض علي محاكمها وبين هذه الدولة كأن يجري
إبرام العقد أو تنفيذه على إقليمها، أو أن يكون أحد أطراف العقد مقيم على إقليم في
هذه الدولة أو تحمل جنسيتها وغير ذلك من الروابط وكل ذلك معلق على عدم وجود شرط
خاص في العقد يحدد المحكمة المختصة بنظر النزاع[36]،
وتبعا لذلك تقوم قواعد الاختصاص الدولي بتحديد الدولة التي ينعقد إلى
قانونها الاختصاص بالنظر في الدعوى، وهو ما نص عليه المشرع اللبناني في الفصل 27-1
من قانون أصول المحاكمات المدنية والتي نصت على إنه بمقتضى الاختصاص الدولي تتعين
الدولة التي يجب أن تقدم الهيئة الحاكمة[37].
وهكذا يتم تحديد المحكمة المختصة
بنظر نزاع ما، يلجأ إما إلى ضوابط إقليمية أو شخصية، حيث اتجه جانب من الفقه إلى
القول بإمكانية اللجوء إلى المحاكم التقليدية وذلك لحل المنازعات المتعلقة
بالتجارة الإلكترونية استنادا إلى القواعد العامة لتحديد الاختصاص القضائي الدولي،
ويقصد بقواعد الاختصاص القضائي الدولي هي القواعد التي تحدد نصيب محاكم الدولة من
ولاية القضاء إزاء غيرها من محاكم الدول الأخرى، وهذه القواعد التي تختلف بالطبع
عن تلك المتعلقة بالاختصاص القضائي الداخلي.
ثانيا: معايير تحديد الاختصاص
القضائي الدولي
هناك معيارين لتحديد الاختصاص
القضائي الدولي لمحاكم دولة معينة، الأول شخصي ينعقد الاختصاص بموجبه للمحكمة
اعتمادا على الجنسية التي يحملها أحد الأطراف في الدعوى، وهو ما أخذت به المادتين
14 و15 من القانون الفرنسي حسب هاتين المادتين فالاختصاص الدولي يثبت للمحاكم
الفرنسية كلما كان أحد الخصوم في الدعوى يحمل الجنسية الفرنسية، سواء اتخذ صفة
المدعى أو صفة المدعى عليه ولو كان في بلد أجنبي. أما المعيار الثاني فهو إقليمي
إذ يمكن عن طريقه المحكمة ولاية في الدعوى إذا كان أحد عناصر المنازعة يرتبط
ارتباطا إقليميا بالدولة التي تتبعها المحكمة كموطن أو إقامة الأطراف أو أحدهم أو
موقع المال أو نشوء الالتزام أو مكان تنفيذه[38]، وهو
نفس التوجه الذي سار عليه المشرع اللبناني حينما قال بمقتضى المادة 80 من قانون
أصول المحاكمات المدنية بنسبية الاختصاص الدولي في المنازعات المتعلقة بالتجارة
الدولية وأنها غير إلزامية، وأن عدم الاختصاص للمحاكم اللبنانية يخضع إلى قواعد
عدم الاختصاص المكاني الداخلي[39].
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع
المغربي لم ينظم قواعد الاختصاص القضائي الدولي إلا أنه من المتفق عليه فقها هو
إمكانية تمديد قواعد الاختصاص القضائي الداخلي المنصوص عليها في قانون
المسطرة المدنية إلى المعاملات ذات الطبيعة الدولية مع الأخذ بعين الاعتبار
خصوصيات هذه الأخيرة[40]. لكن
تبقى مسألة تحديد قواعد الاختصاص القضائي الدولي من طرف كل دولة فيما يتعلق
بالمنازعات المرتبطة بعقود التجارة الدولية بما فيها عقود التجارة الإلكترونية
تتم وفق ثلاثة صور:
-
انعقاد الاختصاص لمحكمة موطن أو
محل إقامة المدعى عليه:
في هذه الحالة يتم إعمال القواعد
العامة للتقاضي المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية المغربي وكذا باقي قوانين
الإجراءات في باقي التشريعات الأخرى، ففي الحالة التي يتم فيها إبرام عقد دولي
إلكتروني عبر شبكة الإنترنت، سواء تعلق الأمر بسلعة أو خدمة، فإنه يتم اللجوء إلى
القواعد العامة المتعلقة بالاختصاص، حيث يتم رفع الدعوى أمام محكمة موطن أو محل
إقامة المدعى عليه[41] عملا
بما هو مستقر وذلك مراعاة لاعتبارات العدالة وحاجة المعاملات الدولية التي تهدف
إلى حماية المدعى عليه وهو نفس النهج الذي سار عليه المشرعين الفرنسي والمصري
وكذلك المشرع اللبناني[42] الذي
منح الاختصاص لمحكمة المدعى عليه أو أحد المدعى عليهم إن تعددوا كما أشارت إلى ذلك
المادة 47 من قانون أصول المحاكمات المدنية[43].
ويثير مسألة اختيار محكمة موطن
المدعى عليه إشكالا في عقود التجارة الإلكترونية لصعوبة التعرف على شخصية المدعى
عليه ومكان وجوده، مما أدى بالفقيه باولو (Ballow) إلى
الدعوة إلى دعم تطبيق المفاهيم الموجودة في العالم الحقيقي على العالم الإلكتروني
الافتراضي، الأمر الذي فتح المجال أمام فكرة الموطن الافتراضي والذي هو مركز أعمال
المورد على شبكة الإنترنت[44]، إلا
أن جانبا من الفقه[45] يميل
إلى تطبيق بعض القواعد الخاصة في التعاقد الإلكتروني كما هو الحال بالنسبة
للعقود التي تنصرف إلى حماية المستهلك باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة
التعاقدية، حيث أن هذا الرأي يرى بضرورة توفير حماية أكبر للمستهلك الإلكتروني عن
طريق منح الاختصاص المحكمة موطن المستهلك ولا سيما المستهلك المتعاقد إلكترونيا
لأنه الطرف الأجدر بالحماية وهو ما نستشفه من التشريع الفرنسي وعلى الخصوص المادة
46-1 من قانون أصول المحاكمات الفرنسي والذي يمنح للمدعي في مجال العقود الدولية
أن يقيم الدعوى أمام المحكمة التي يقع في دائرتها تسليم الشيء المبيع أو أداء
الخدمة، أي أنه يكون للمدعي الخيار بين محكمة موطن المدعى عليه أو محكمة
محل تنفيذ العقد[46].
-
الاتفاق على إسناد الاختصاص
المحكمة معينة:
جرى التعامل في معظم الأنظمة
القانونية المعاصرة على أنه في العقود ذات الطابع الدولي يجوز لطرفي العقد الاتفاق
على إسناد الاختصاص لمحكمة دولة معينة قصد البت في نزاع قائم أو محتمل، وإن كان
هذا الاتفاق ينزع ولاية الاختصاص من محكمة أخرى تكون هي المختصة أصلا للنظر في
الدعوى، وذلك وفقا للقواعد العامة للاختصاص، وهو ما تبنته معاهدة بروكسيل، ونفس
الأمر بالنسبة للمشرع الفرنسي الذي اعتبر بموجب المادة 38 من قانون أصول المحاكمات
المدنية أن كل شرط يخالف بصورة مباشرة أو غير مباشرة قواعد الاختصاص المكاني يعتبر
كأنه لم يكن، إلا أن هذا النص استثنى من حكمه العقود التي يكون فيها الأطراف
تجارا، لكن على الرغم من ذلك يظل الرأي السائد على مستوى الفقه والقضاء الفرنسي[47] هو
عدم الأخذ بهذا النص في مجال المعاملات الدولية ولعل السبب في ذلك هو الرغبة في
حماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية.
فمسألة الخضوع الاختياري أو
الإرادي لاختصاص دولة معينة مستقر عليه كمبدأ في التشريعات الوطنية والاتفاقيات
الدولية، ومع ذلك فمن المتفق عليه فقها وقضاء، أنه يلزم لكي ينتج هذا الاتفاق حول
تحديد الاختصاص أثره توافر بعض الشروط المتمثلة[48] في: وجود
رابطة جدية بين النزاع المطروح والمحكمة التي تم اختيارها للفصل في النزاع، أن
تكون هناك مصلحة مشتركة للطرفين، ألا يكون هذا الاختيار مبني على غش.
وأخيرا فإن اختيار المحكمة
المختصة من طرف الأطراف يمكن أن يكون صريحا كأن يدرج هذا الشرط في العقد ذاته، أو
يتم الاتفاق صراحة بعد حدوث النزاع، كما يمكن أن يكون ضمنيا وذلك كأن يرفع المدعى
دعواه أمام محكمة دولة معينة ويحضر المدعى عليه ويقدم دفوعه في الموضوع دون الدفع
بعدم الاختصاص[49].
-
انعقاد الاختصاص لمحكمة محل
إبرام العقد أو تنفيذه:
يتم اللجوء إلى منح الاختصاص
للمحكمة التي أبرم العقد بدائرة نفوذها أو تم تنفيذه بها وذلك في الحالة التي
يتعذر فيها تحديد المحكمة المختصة بناءا على المعيارين السابقين، وهو ما سارت عليه
غالبية التشريعات العربية والغربية أيضا، كما هو الحال بالنسبة للمشرع المصري
(المادة 20⁄3 من قانون المرافعات) والقانون الفرنسي (المادة 149⁄4) والقانون
السويسري (المادة 4) واتفاقية بروكسيل المادة (1⁄5)[50].
ولما
كانت العقود الدولية المبرمة عبر الإنترنت تعتبر ما بين حاضرين في الزمان وما بين
غائبين في المكان فإن العبرة تكون بالمكان الذي علم فيه الموجب بالقبول ما لم يوجد
اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك، حيث أنه بالنسبة للعقود الإلكترونية يعتبر الموجب
موجودا دائما في بلد الطرف الآخر، حيث أن عرضه للسلعة أو الخدمة دائما بصفة مستمرة
وصالحا لأن يقترن بقبول وهو ما يتحقق بالقبول الذي يثبته المتعاقد على صفحة موقع
الموجب بشبكة الإنترنت، ومن تم فإن المحكمة المختصة في هذه الحالة هي محكمة
المشتري[51].
المطلب الثاني: دور التحكيم في
تسوية المنازعات المترتبة عن عقود التجارة الإلكترونية:
يعد فض المنازعات عن بعد، أو ما
يطلق عليه تسميات من قبيل «التحكيم الإلكتروني»، أو «التحكيم بواسطة الإنترنت»، أو
«التحكيم عن بعد»، من أبرز مظاهر الثورة المعلوماتية في الوقت الحاضر، إذ خرج
التحكيم كآلية لفض المنازعات عن نمطه التقليدي، واتخذ من شبكة الإنترنت مسرحا لكل
أطواره، وذلك لمجارات ازدياد العقود المبرمة بين أشخاص ينتشرون في شتى بقاع
المعمور يصعب الجمع بينهم إلا عن طريق الإنترنت، وكذلك انسجاما مع
الخلافات الناجمة عن العقود المبرمة بواسطة هذه التقنية والتي تنامى عددها بشكل
ملحوظ.
ويقصد
بالتحكيم الإلكتروني في الاصطلاح القانوني، اتفاق أطراف علاقة قانونية معينة عقدية
أو غير عقدية على أن يتم الفصل في المنازعة التي ثارت بينهم أو التي تحتمل أن تثور
عن طريق أشخاص يتم اختيارهم كمحكمين[52]،
وتتولى الأطراف المتنازعة تحديد هيئة التحكيم أو على الأقل يضمنون اتفاقهم على
التحكيم بيانا لكيفية اختيار المحكمين، أو أن يعهدوا لهيئة أو لمركز من مراكز
التحكيم الدائمة لتتولى تنظيم عملية التحكيم وفقا للقواعد أو اللوائح الخاصة بهذه
الهيئات أو المراكز[53]
كما يقوم التحكيم الإلكتروني
دورا مهما في الحفاظ على إيقاع التجارة الإلكترونية واستقرارها لما يتميز به من
سرعة ودقة، فالتحكيم الإلكتروني تتجلى أهميته أو دوره في اعتماده عن طرق عصرية
حديثة لم يألفها المتقاضون من قبل وكذلك رجال القانون حيث يقع على عاتقهم عبء
مواجهة هذا التطور المنهل في ثورة الاتصالات. ولعل الدور الذي يلعبه التحكيم
الإلكتروني في تسوية النزاعات يستمد ذلك أو نابع من دوافع اللجوء إلى هذا النوع من
التحكيم وهي الرغبة في عرض النزاع على أشخاص ذوي خبرة فنية خاصة وتجنب بطء القضاء
ونفقاته وكذلك الرغبة في عدم التعرض لعلانية القضاء[54].
أولا: الخطوات العملية للتحكيم
الإلكتروني
إن وقوع النزاع بين أطراف العقود
الإلكترونية، يطرح إشكالات عديدة بخصوص معالجة هذا النزاع، لكن الأمر يصعب شيئا ما
بعد اختيار هؤلاء الأطراف التحكيم الإلكتروني لحل هذا الخلاف، ذلك أنه تثار مسألة
مباشرة الإجراءات المتعلقة به والخطوات الواجب إتباعها في هذا الصدد، والتحكيم
الإلكتروني كغيره من الوسائل البديلة لفض المنازعات له مراحل يمر منها ويجب على
الأطراف المتنازعة سلكها، حيث تبتدأ بعرض النزاع للتحكيم وبدء الإجراءات التحكيمية
لانتهاء أداء الرسوم الواجبة.
- عرض النزاع للتحكيم:
بخصوص عرض النزاع فإنه يتم رفعه
إلكترونيا، إذ تكون هناك استمارة معدة سلفا يتم إرسالها بواسطة الإنترنت مرفقا
معها صورة من اتفاق الوساطة بالإضافة إلى بيانات المدعي واختياره وسيطا أو ترك ذلك
للمركز مع دفع مبلغ مقدم لأجل الرسوم[55]،
ويتعين على المحتكم أن يكتب في طلب التحكيم إيجازا عن طبيعة وظروف النزاع وأية
حلول يراها مناسبة له، ذكر أسماء ممثليه في نظر النزاع وتحديد وسيلة الاتصال بهم و
تحديد عدد المحكمين (1-3) وعند إغفال ذلك سيعتبر أنه اختار
محكما وحيدا لنظر النزاع[56]،
وأيضا اختيار الإجراءات المتبعة خلال نظر النزاع مع الإشارة إلى أن المركز سيحظر
المحتكم إلى ضرورة اختيار هذه الإجراءات وذلك في بحر أسبوع من استلام المركز لطلب
التحكيم، مع منح مهلة يومين لتحديد هذه الإجراءات[57].
وبعد استلام مركز التحكيم الطلب
المقدم للجوء للوساطة كحل للنزاع يأتي دوره في قبول أو رفض نظر النزاع، ومن أشهر
مراكز التحكيم الإلكترونية مركز منظمة الملكية الفكرية وموقعه، وبقبول المركز يتم
إخطار الطرف الثاني (المدعى عليه) بواسطة البريد الإلكتروني مع تزويده بنموذج للرد
(لائحة جوابية) فإن رد المدعي عليه وقبله بالوساطة فإنه يتعين عليه إرفاق بياناته
التي يعتمد عليها مع اختيار وسيط أو ترك الاختيار لمركز التحكيم، وبعد ذلك يقوم
مركز التحكيم بإعداد صفحة عرض النزاع على موقع إلكتروني معد لذلك ويعطي للطرفين
كلمة مرور تخولهم دخول الموقع والاطلاع على صفحة النزاع ويقوم بعدها المركز بإخطار
الوسيط وإعلامه بمهمته تاركا له الخيار في نظر النزاع أولا[58].
وإن رفض الوسيط نظر النزاع يتم
إخطار الأطراف لاختيار وسيط أخر أو ترك الاختيار للمركز، وبموافقة الوسيط تبدأ
مهمته بالنظر في النزاع ويطلع على ما قدمه الأطراف ومدى إمكانية التنازل لتحقيق
المصلحة العامة خلال مدة مثلا من 10 إلى 14 يوما، كما حددها مركز "SQUARE TRADE" للتحكم والوساطة اعتمادا على سرعة الاستجابة للأطراف
وقبولهما بالحل المقترح[59].
- بدأ إجراءات التحكيم الإلكتروني:
تبدأ إجراءات التحكيم بواسطة
شبكة الإنترنت أمام هيئة التحكيم في اليوم المعلن عنه مسبقا والذي أخطر به أطراف
النزاع بعد تسليم مركز التحكيم الإلكتروني رد وبيانات المحتكم ضده ومنحه القدرة
الكافية لتقديم بيانات إضافية أو التعديل فيها، والسماح لأطراف النزاع بتوكيل
ممثليهم بغض النظر عن جنسية أو مؤهلات الوكلاء، والذين تم رفع أسمائهم مسبقا
للمركز لتمثيلهم أثناء جلسات التحكيم. وتقتصر إجراءات التحكيم على بيانات محددة
مقدمة مع الادعاء والرد عليه أو التقدم بطلب من هيئة التحكيم، وتتمثل هذه
الإجراءات في البينة الخطية، البينة الشخصية، والخبرة الفنية.
فالبينة الشخصية: تعد إحدى البنيات المعمول بها في شتى قوانين الإثبات وهو ما أخذت به مراكز
التحكيم عن بعد تاركة لأطراف النزاع حرية الاستعانة بشهادة الشهود مع تحديد آلية
سماع الشاهد والاتصال به بعد إخطار هيئة التحكيم بأسماء وعناوين الشهود وتحديد
الوقائع المطلوب سماع الشهود بخصوصها، وبعد موافقة الهيئة تعمل على تحديد آلية
سماعهم وهي إما بالهاتف، أو استدعائهم لجلسة سرية بواسطة كاميرا دائرة تلفزيونية
لاستجوابهم ومناقشتهم وإبداء آراءهم حول النقاط المتعلقة بالنزاع، وتكون نفقات
سماع الشاهد على من طلبه[60].
أما البينة الخطية: فهي تقنية تخول للأطراف تقديم البيانات سواء خلال مرحلة الادعاء أو خلال
مرحلة الجواب شريطة أن تكون مؤشر عليها في قائمة البيانات المرسلة إليها، إلا أنه
يجوز لها قبول بعض البيانات إذا تبين لها أهميتها في النزاع[61]، ويحق
للهيئة من تلقاء نفسها أن تطلب أية بينة إضافية تراها ضرورية لتأييد أية واقعة
للفصل في النزاع.
أما بالنسبة لطلب الخبرة الفنية: فإن مراكز التحكيم عن بعد -التحكيم الإلكتروني- سمحت لأطراف النزاع في طلب
الخبرة الفنية لإثبات وقائع تتعلق بموضوع النزاع كالعيب في المبيع مثلا
وتحديد مقدار الضرر الذي وقع للمشتري وتقدير ثمن المبيع مثلا، وتحدد شروط
الاستعانة بالخبرة الفنية من قبل مراكز التحكيم، على أنه وبعد إخطار الهيئة بطلب
الخبرة الفنية والخصم قبل الفصل بوقت معقول وسماع رد الخصم في الطلب بالموافقة أو
الرفض والفصل في ذلك بالسرعة المطلوبة، ذلك أنه عند موافقة الهيئة على الطلب يقوم
الخبير بتقسيم القسم القانوني ويمنح مهلة 30 يوما لتسليم تقرير الخبرة، ليقوم
الأطراف بعدها بمنافسة الخبير وسؤاله حول أية نقطة في تقريره[62].
وبعد الانتهاء من تقديم البيانات
يعاد إلى الفصل في النزاع خلال فترة أقصاها شهر واحد ويصدر القرار كتابة، وتكفي
الأغلبية لصدوره مع توقيعه بواسطة رئيس الهيئة والأعضاء مع ذكر ملاحظات وأراء
العضو المخالف إن لم يكن الحكم بالإجماع، ويتضمن القرار بالإضافة إلى الحكم تاريخه
ومكان صدوره وأجور المحكمين ونفقاتهم وأجور الخبراء وأية نفقات أخرى تسبب القرار
ما لم يتفق الأطراف على عدم التعليل[63]، على
أنه يحق للهيئة القيام بطلب الخبرة الفنية من تلقاء نفسها.
- تسوية النزاع وإنهاءه:
نصت مراكز التحكيم الإلكتروني
على حق أطراف النزاع في طلب إنهاءه في حالة توصلهم إلى تسوية ودية لحل هذا النزاع،
شريطة أن يسبق طلبهم هذا صدور القرار التحكيمي، حيث يتم تقديم طلب تسوية النزاع
إلى مركز التحكيم وفق النموذج المخصص لذلك، نفس الحق مخول لمركز التحكيم وذلك
بدعوة أطراف النزاع وحثهم على تسويته وديا[64].
وبخصوص القرار التحكيمي الرامي
لحل النزاع فإنه يصدر كتابة خلال شهر واحد من فض النزاع ويوقع عليه من قبل الرئيس
والأعضاء، مع ذكر رأي العضو المخالف إن لم يكن بالإجماع، ويتضمن القرار التحكيمي
تاريخ ومكان صدور الحكم وأجور المحكمين والخبراء ونفقاتهم وتعليل القرار ما لم
يتفق الأطراف على عدم التعليل، وتقوم الهيئة التحكيمية بتزويد المركز بالقرار
ليسلم للأطراف، ويعد الحكم ملزما لهم بمجرد الاستلام [65]، على
أنه يحق للهيئة التحكيمية القيام بتصحيح الأخطاء التي يمكن أن تشوب القرار
التحكيمي داخل أجل 30 يوما.
- رسوم التحكيم الإلكتروني:
بعد قيام أطراف النزاع بمباشرة
إجراءات التحكيم الإلكتروني قصد تسوية خلافاتهم، فإن هذه الإجراءات تتطلب واجبات
مادية أو رسوم يجب تأديتها لصالح مركز التحكيم في شكل أتعاب للمحكمين والنفقات
الضرورية لمختلف مراحل العملية التحكيمية، فأولى الرسوم التي يلزم المحتكمون
بأدائها نجد رسوم التسجيل والتي تدفع بالدولار الأمريكي وتحتسب بمقدار المبلغ
المتنازع عليه لكن إذا كان هذا المبلغ غير محدد وقت رفع النزاع، فإنه يتعين دفع
1000 دولار مع طلب التحكيم، وتدفع ذات الروسم إذا كان موضوع النزاع ليس ماليا[66].
أما بخصوص الرسوم الإدارية فهي
تسدد خلال 30 يوما من إرسال طلب التحكيم وتحسب وفق جدول الرسوم المطبق وقت بدء
التحكيم بالنسبة للمحتكم، ومن تاريخ إرسال طلب الادعاء المقابل أو زيادته بالنسبة
للمحتكم فيه، على أنه في حالة التأخر عن أداء هذه الرسوم تمنح مدة 15 يوما تأجيل
لأدائها وذلك من تاريخ الإخطار الكتابي وإلا اعتبر راجعا عن ادعائه أو ادعائه
المقابل أو عن الزيادة فيها[67].
ويقوم المركز التحكيمي بتقدير الرسوم الإدارية بحيث لا تنقص عن 1000 دولار ولا
تزيد عن 35.000 ألف دولار إذا لم يكن النزاع المعروض نزاعا ماليا[68].
- التحكيم المعجل:
تستدعي طبيعة بعض النزاعات البحث
عن آلية أسرع للفصل فيها خاصة في مجال التجارة الإلكترونية، لهذا يتم اللجوء للعمل
بهذا النظام أو هذه التقنية السريعة جدا، وقد تم العمل بها سنة 1998، بحيث ما على
المحتكم سوى النقر على مفتاح التحكيم المعجل "expedited arbitration"
ثم النقر على مفتاح "create acase"
وملئه الطلب الموجود أمامه على شاشة الكمبيوتر الخاص به وإرساله لمركز التحكيم
الذي بدوره يرسل له بريدا إلكترونيا لإبلاغه باستلام الطلب ومقدار رسوم التسجيل
والرسوم الإدارية وكيفية دفعها[69]،
وباستلام المركز للرسوم يقوم بإخطار المحكم ضده بالدعوى، حيث تم إعداد صفحة للنزاع
على موقع المركز ويتم تزويده باسم مرور "pass word"
لتمكينه من دخول النزاع وتقديم الجواب، حيث يقوم المركز بعد ذلك بإبلاغ الهيئة
وتزويدها بالصفحة أعلاه لكي تتصل بأطراف النزاع. ووفقا لهذه الإجراءات السريعة وخلال
شهر واحد من تقديم الرد على الدعوى أو تشكيل هيئة التحكيم يصدر الحكم
من محكم فرد[70].
ثانيا: آليات تفعيل التحكيم
الإلكتروني
قصد الاستفادة من الإيجابيات
التي توفرها المعلوميات، وتشجيع الإقبال على الخدمات المقدمة في إطارها، والذي يعد
التحكيم الإلكتروني من أوجهها، يجب توفير آليات تساهم في تفعيله، وكذا لمواجهة
المشاكل والسلبيات الناجمة عن استعمالها، من قبيل توفير غطاء تشريعي
يمنح الثقة للمحتكمين، وكذا توفير البنيات التحتية المناسبة والاهتمام بالجانب
الثقافي الذي يتمثل في تكوين الموارد البشرية في هذا المجال.
-
امتلاك الترسانة القانونية:
المغرب لا يتوفر على قانون
للمعلوميات بمعنى الكلمة، وإنما هناك القانون رقم 05-53 المتعلق بالتبادل
الإلكتروني للمعطيات القانونية والذي يحدد النظام المطبق على المعطيات القانونية
التي يتم تبادلها بطريقة إلكترونية وعلى المعادلة بين الوثائق المحررة على الورق، وكذا
الإطار القانوني المطبق على العمليات المنجزة من قبل مقدمي خدمات المصادقة
الإلكترونية وكذا القواعد الواجب التقيد بها من لدن مقدمي الخدمة المذكورين. لذلك
يتعين وجود قانون يعنى بالمجال المعلوماتي بشكل يجعله يتماشى مع إفراز الواقع
التكنولوجي الحديث وطرح إشكالية تغير التصور الفقهي والبناء القانوني بالنظر إلى
طبيعة المسائل القانونية التي أنشأتها تقنيات المعلوميات[71].
إلا أنه توجد العديد من
المقتضيات القانونية المتناثرة هنا وهناك، التي منها ما يجرم الأفعال التي تسبب
ضررا لمستعملي تقنية الإنترنت كتلك المنصوص عليها في:
-القانون رقم 03.03[72] وهو
القانون المتمم لمجموعة القانون الجنائي (الباب الأول مكرر من الجزء الأول من
الكتاب الثالث)، والمتعلق "بالإرهاب"، والذي في الفصل 1-218
منه نص على أنه "تعتبر الجرائم الآتية أفعالا إرهابية إذا كانت لها
علاقة عمدا بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة
التخويف أو الترهيب، أو العنف".
-القانون رقم 07.03[73] وهو
القانون المتمم لمجموعة القانون الجنائي (الباب العاشر من الجزء الأول من الكتاب
الثالث) المتعلق "بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات"، والذي
جاء فيه تجريم لبعض الأفعال المتعلقة بنظم المعلوميات، كالفصول 5-607 و6-607 التي جرمت الاعتداء على سلامة نظام
المعالجة الآلية للمعطيات، وكذا الفصلين 3-607 و4-607 الذين جرما التزوير أو
التزييف في الوثائق المعلوماتية واستعمالها، وقد ورد في هذا الباب عدة عقوبات
حبسية وغرامات، وكذا تدابير مصاحبة من قبيل المصادرة للأدوات المستعملة
في ارتكاب الجرم.
-القانون رقم 02.00[74] وهو
القانون المتعلق "بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة"، والذي نص على
استفادة برامج الحاسوب من الحماية المقررة للمصنفات الأدبية والفنية وذلك في مادته
الثالثة.
-القانون رقم 15.95[75]
المتعلق "بمدونة التجارة"، حيث نصت المادة 331 منها على العقوبات
الواجبة في حالة تزيف أو تزوير وسيلة أداء، وكل من استعمل عن علم أو حاول استعمال
وسيلة أداء مزيفة أو مزورة، وكل من قبل عن علم أداء بواسطة وسيلة أداء مزيفة أو
مزورة، هذه المادة التي أحالت على العقوبات المنصوص عليها في المادة 316 من
نفس القانون والتي تتراوح ما بين سنة إلى خمس سنوات حبسا، وغرامة ما بين 2000
و10.000 درهم.
-
توفير الموارد البشرية المتخصصة
والبنيات التحتية:
تبين جل الدراسات التي تهتم
بالتربية كمادة أولية في مجال التنمية التكنولوجية بصورة عامة، بأن انخفاض المستوى
الثقافي للسكان يشكل نقصا رئيسيا لدول العالم الثالث، ومن ثم فإن إنشاء طاقة عملية
وتقنية وطنية يتطلب بالموازاة مع تبني التكنولوجيا موافقة وإنعاش البنيات
التكنولوجية المحلية.
وقد عملت تنمية المعلوميات على
إبراز الحاجيات إلى التكوين، وذلك على مستويين:
-التكوين المهني بالنسبة
للمعلوماتيين: وذلك للحاجة إلى أشخاص أكفاء للعمل في قطاع المعلوميات سواء منهم
متصوري الأنظمة concepteurs de systèmes بالإضافة إلى المحللين
والمبرمجين ومسيري الآلات، وتشكل جميع هذه الفئات المحيط الإنساني لمراكز المعالجة
المعلوماتية التي تعتمد عليها مراكز التحكيم الإلكتروني، ولتوفير هذه الحاجيات
يقتضي الأمر تنظيم تكوين مستمر على مستوى هذه الفئات التقنية، ومن تم نهج سياسة
تكوينية ذات مستوى عال تماثل مستويات التأهيل من نفس الدرجة التي تعرفها الدول
المتقدمة.
-تكوين غير المعلوماتيين: ونخص
هنا بالذكر رجال القانون، وأنسب طريقة تمكنهم بصورة خاصة من استيعاب المعرفة
المعلوماتية هي العمل على تدريسها في المؤسسات القانونية والقضائية ودراستها في
نطاق ارتباطها بالمحيط القانوني، وذلك عن طريق ربط القواعد القانونية بالواقع
التكنولوجي الحديث وبالتالي إعادة قراءتها على ضوء المعطيات
المستحدثة في مجتمع المعلوميات، وذلك لأنه لم يعد من الأنسب أن يظل دور القانوني
سلبيا ومجرد متفرج إزاء دخول المعلوميات بصورة عامة إلى المجتمع، بل يجب أن يصبح
فاعلا في التعامل معها بدراسة أوجه علاقتها بالقانون على المستوى العلمي والنظري،
بالإضافة إلى الوقوف على تقنيات استعمالها على مستوى التطبيق العملي[76]،
الشيء الذي سيجد صداه في تفعيل التحكيم الإلكتروني والتشجيع على الاحتكام إليه.
[1] أسامة أبو الحسن مجاهد: «خصوصية التعاقد عبر الانترنيت»، دار
النهضة العربية، السنة 2000، ص 39.
[2] خالد ممدوح إبراهيم، "إبرام العقد الإلكتروني -دراسة
مقارنة"، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، السنة 2008، ص 73-74.
[3] جاء في "المادة 5-65 من القانون رقم 05-53 المتعلق بالتبادل
الإلكتروني للمعطيات القانونية" ما يلي:
«يشترط لصحة إبرام العقد أن يكون
من أرسل العرض إليه قد تمكن من التحقق من تفاصيل الإذن الصادر عنه ومن السعر
الإجمالي ومن تصحيح الأخطاء المحتملة، وذلك قبل تأكيد الإذن المذكور لأجل التعبير
عن قبوله.
يجب على صاحب العرض الإشعار بطريقة إلكترونية، ودون تأخير غير مبرر،
بتسلمه قبول العرض الموجه إليه.
يصبح المرسل إليه فور تسلم العرض ملزما به بشكل لا رجعة فيه.
يعتبر قبول العرض وتأكيده والإشعار بالتسلم متوصلا بها إذا كان بإمكان
الأطراف المرسلة إليهم الولوج إليها».
[4] عبد الحق صافي،
"القانون المدني"، المصدر الإرادي للالتزامات العقد، الكتاب الأول تكوين
العقد، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، الطبعة الأولى 2006، الجزء الأول،
ص 137 وما بعدها.
[5] جاء في "المادة 207
"من مدونة الأسرة ما يلي: «أهلية الوجوب هي صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق
وتحمل الواجبات التي يحددها القانون وهي ملازمة له طول حياته ولا
يمكن حرمانه منها».
[6] نضال إسماعيل برهم، "أحكام عقود التجارة الإلكترونية"،
دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، السنة 2005، ص 48
[7] محمد برادة غزيول، "قراءة في القانون المتعلق بالتبادل
الإلكتروني للمعطيات القانونية"، بحث منشور في الموقع:
http://jeunesavocatsdenador.com/abhath1.htm تمت الزيارة في 29/10/2024.
[8] محمد إبراهيم أبو الهيجاء، "أحكام عقود التجارة الإلكترونية
-العقود الإلكترونية، القانون الواجب التطبيق المنازعات العقدية وغير
العقدية"، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، السنة 2005، ص 54.
[9] حسن عبد الباسط جميعي،
"إثبات التصرفات القانونية التي يتم إبرامها عن طريق الإنترنت"، دار
النهضة العربية، القاهرة، السنة 2000، ص 16.
[10] العربي جنان،
"التبادل الاليكتروني للمعطيات القانونية -القانون المغربي رقم 53.05 -دراسة
تحليلية نقدية"، المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش، الطبعة الأولى،
السنة 2008، ص 13.
[11] المختار بن أحمد عطار،
"الوسيط في القانون المدني -مصادر الالتزام"، المطبعة والوراقة الوطنية
مراكش، الطبعة الأولى، السنة 2002، ص 95.
[12] باستقراء مضمون
"الفصل 65.5 من القانون رقم 05-53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات
القانونية" يتضح أن المشرع أحاط القبول الإلكتروني بمجموعة من الضمانات وهي:
1. أن يتمكن من أرسل إليه العرض
من التحقق مما يلي:
- تفاصيل الإذن الصادر عنه قبل
تأكيده أي إتاحة الفرصة لمن أرسل إليه العرض قصد التحقق من تفاصيل القبول الصادر
عنه قبل تأكيده نهائيا.
- السعر الإجمالي أي الثمن
الإجمالي الذي سيلتزم به أثناء تنفيذ العقد.
تصحيح الأخطاء المحتملة قبل تأكيد القبول أي إتاحة الفرصة لمن أرسل إليه
الإيجاب قصد تصحيح الأخطاء التي يمكن أن تتسرب إلى تعبيره عن إرادته
وذلك قبل إرساله.
2. التزام صاحب العرض بإشعار
القابل بتسلمه قبول العرض الموجه إليه بطريقة الكترونية ودون تأخير مبرر.
3. المرسل إليه الذي تسلم العرض
يصبح ملزما به فور تسلمه، مع اعتبار قبول العرض وتأكيده والإشعار بتسلمه متوصلا به
متى كان بإمكان المرسل إليه الولوج إليه.
[13] لورنس محمد عبيدات، "إثبات
المحرر الإلكتروني"، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة
الأولى، السنة 2005، ص 79.
[14] فدوى مختاري، "حماية
المتعاقد في التجارة الالكترونية دراسة مقارنة"، أطروحة لنيل الدكتوراه في
القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
وجدة، سنة 2011 -2012، ص 329.
[15] نورة غزلان الشنيوي،
"الوسيط في العقود ا الخاصة: العقود المدنية والتجارية والبنكية على ضوء
المستجدات التشريعية والاجتهادات القضائية"، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة
الأولى، السنة 2017 ص 181.
[16] مولاي حفيظ علوي قادري،
إشكالات التعاقد في التجارة الإلكترونية، دار الآفاق للنشر والتوزيع، سنة 2013،
ص130-131.
[17] تنص "المادة 250 من قانون الالتزامات والعقود" على أنه
مصروفات الوفاء تقع على عاتق المدين، ومصروفات القبض تقع على عاتق الدائن، وذلك ما
لم يشترط عكسه أو تجري العادة بخلافه ومع استثناء الحالات التي يقضي فيها
القانون بحكم مخالف".
[18] مولاي حفيظ علوي قادري،
مرجع سابق، ص131-132.
[19] أبو بكر مهم، "حماية
المستهلك المتعاقد"، دار الآفاق المغربية للنشر والتوزيع الدار البيضاء،
الطبعة الأولى 2017، ص 109
[20] سعيد، ماجدة، "إشكالية حماية المستهلك في التجارة
الإلكترونية"، مجلة القانون والأعمال، العدد 45، السنة (2019)، ص 79
[21] أبو بكر مهم، "حماية المستهلك المتعاقد"، مرجع
سابق، ص 109
[22] مولاي حفيظ علوي قادري، مرجع سابق،
ص 134-135
[23] سعيد، ماجدة، "إشكالية حماية
المستهلك في التجارة الإلكترونية"، مرجع سابق، ص 81
[24] مولاي حفيظ علوي قادري، مرجع سابق، ص 135-136
[25] فدوى مختاري مرجع سابق، ص
340-341.
[26] أيمن علي حسين الحوثي، "الوفاء الإلكتروني وحمايته
القانونية"، أطروحة لنيل دبلوم الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد
الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة، سنة 2010-2011، ص
209.
[27] يوسف المومني، "المنازعة المتعلقة بالشروط التعسفية في
القانون المغربي"، المجلة المغربية للقانون الاقتصادي، عدد مزدوج 5-6، ص162.
[28] فدوى مختاري، مرجع سابق، ص 322
[29] مولاي حفيظ علوي قادري،
مرجع سابق، ص 142.
[30] إدريس النوازلي، "الإثبات الجنائي لجرائم الأعمال بالوسائل
الحديثة"، الجزء الأول، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى
2014، ص 16.
[31] مولاي حفيظ علوي قاديري، مرجع سابق، ص 142-142.
[32] طارق المغربي،
"الاعتداء على المصنفات الأدبية والفنية المنشورة على الإنترنيت"، مجلة
القانون المغربي، العدد 24، ص 86.
[33] GUY RAYMAND",
Droit de la consummation", 2eme edition 2011 page 32
[34] إلياس ناصيف، "العقود الدولية -العقد الإلكتروني في القانون
المقارن"، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، ص 311.
[35] هشام علي صادق،
"القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية"، منشأة المعارف،
الإسكندرية، الطبعة الأولى، السنة 1995، ص 202.
[36] محمد تكمنت، "الوجيز في القانون الدولي الخاص"، مطبعة
الجسور، وجدة 2006 ص 95.
[37] إلياس ناصيف، "العقود الدولية -العقد الإلكتروني في القانون
المقارن"، مرجع سابق، ص 312.
[38] محمد تكمنت، "الوجيز في القانون الدولي
الخاص"، مرجع سابق، ص 85.
[39] إلياس ناصيف، "العقود الدولية -العقد الإلكتروني في القانون
المقارن"، مرجع سابق، ص 313.
[40] محمد تكمنت، "الوجيز في القانون الدولي الخاص"، مرجع
سابق، ص 108.
[41] عادل أبو هشيمة محمود حوتة، "عقود خدمات المعلومات
الإلكترونية في القانون الدولي الخاص"، دار النهضة العربية القاهرة، الطبعة
الأولى، السنة 2004، ص 330.
[42] أحمد عبد الكريم سلامة،
"القانون الدولي الخاص الإلكتروني البيئي والسياحي"، دار النهضة
العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، السنة 2000، ص 71.
[43] إلياس ناصيف،
"العقود الدولية -العقد الإلكتروني في القانون المقارن"، مرجع سابق، ص
317.
[44] عادل أبو هشيمة محمود
حوتة، "عقود خدمات المعلومات الإلكترونية في القانون الدولي الخاص"،
المرجع السابق، ص331.
[45] إلياس ناصيف،
"العقود الدولية -العقد الإلكتروني في القانون المقارن"، مرجع سابق، ص
318.
[46] طارق البختي،
"التجارة الإلكترونية وآليات تسوية النزاعات المرتبطة بها"، مجلة
الحقوق، العدد 21، السنة (2019)، ص 140.
[47] B.Audit, "Droit
international privé ", économica, edition 1997, n° 384, H.Batillof et
P.Lagarde, droit international privé, II, 7 ème
édition, dolloz, p675.
[48] أحمد عبد الكريم سلامة، "القانون الدولي الخاص الإلكتروني
البيئي والسياحي"، مرجع سابق، ص 73.
[49] عادل أبو هشيمة محمود حوتة، "عقود خدمات المعلومات
الإلكترونية في القانون الدولي الخاص"، المرجع السابق، ص 333.
[50] عادل أبو هشيمة محمود
حوتة، نفس المرجع، ص 336.
[51] طارق البختي، "التجارة الإلكترونية وآليات تسوية النزاعات
المرتبطة بها"، مرجع سابق، ص 141.
[52] فادي محمد عماد الدين
توكل، "عقد التجارة الإلكترونية"، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان،
الطبعة والسنة غير مذكورتين، ص 195.
[53] محمود مختار أحمد بريري، "التحكيم التجاري الدولي"، دار
النهضة العربية، الطبعة الأولى، السنة 2004، ص 5.
[54] اسم صاحب المقال غير مذكور، "التحكيم عن طريق شبكة الانترنت
للفصل في نزاعات التجارة الإلكترونية -دورة في التحكيم الإلكتروني"، القاهرة
22-18 فبراير 2007 عن موقع www.cyberlaw.net،
تمت الزيارة في 02/11/2024.
[55] "التحكيم عن طريق شبكة الانترنت للفصل في نزاعات التجارة
الإلكترونية"، دورة في التحكيم الإلكتروني، القاهرة 18-22 فبراير 2007، مقال
منشور بموقع على الانترنت www.cyberlawnet.net،
تمت الزيارة في 06/11/2024.
[56] محمد إبراهيم أبو
الهيجاء، "التحكيم بواسطة الانترنت"، مرجع سابق، ص 39.
[57] Lubankablu, cresolution in the News whose Nane
is at amy way? 1999. http://www.cresolution.com/pr/economic-times.htm ,
visited in 13/11/2024 .
[58] "التحكيم عن طريق شبكة الانترنت للفصل في نزاعات التجارة
الإلكترونية"، دورة في التحكيم الإلكتروني، نفس المرجع السابق، مقال منشور
بموقع على الانترنت www.cyberlawnet.net،
الصفحة غير مذكورة.
[59] محمد إبراهيم أبو
الهيجاء، "التحكيم بواسطة الانترنت"، مرجع سابق، ص 45.
[60] محمد إبراهيم أبو
الهيجاء، "التحكيم بواسطة الانترنت"، مرجع سابق، ص 46.
[61] بشرى العلوي، "دور التحكيم الإلكتروني في الاستثمار"،
الدار البيضاء، أبريل 2007، ص 11.
[62] محمد إبراهيم أبو الهيجاء، "التحكيم بواسطة الانترنت"،
مرجع سابق، ص 47.
[63] "التحكيم عن طريق شبكة الانترنت للفصل في نزاعات التجارة
الإلكترونية"، دورة في التحكيم الإلكتروني، نفس المرجع السابق، مقال منشور
بموقع على الانترنت www.cyberlawnet.net،
الصفحة غير مذكورة.
[64] محمد إبراهيم أبو الهيجاء، "التحكيم بواسطة الانترنت"،
مرجع سابق، ص 50.
[65]
Article 62 ;63 : http://arbitirwipo.int/arbitration/arbitration-rules/auards.html , visited in 08/11/2024.
[66] محمد إبراهيم أبو
الهيجاء، "التحكيم بواسطة الانترنت"، مرجع سابق، ص 52-53.
[67] نفس المرجع، ص 53.
[68] Article 62 : http://arbiter.wipo.int/arbitratioin/arbutration-rules/fees.htm,cite web, www.wipo.com , visited in 13/11/2024.
[69] "التحكيم عن طريق
شبكة الانترنت للفصل في نزاعات التجارة الإلكترونية"، دورة في التحكيم
الإلكتروني، نفس المرجع السابق، الصفحة غير مذكورة.
[70] محمد إبراهيم أبو
الهيجاء، "التحكيم بواسطة الانترنت"، مرجع سابق، ص 58-59.
[71] عبد الكريم غالي، "محاور في المعلوميات والقانون"،
الطبعة الأولى، البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع، القنيطرة، السنة 1997، ص 143.
[72] "الجريدة الرسمية عدد5112"، بتاريخ 29 ماي 2003، ص
1755.
[73] "الجريدة الرسمية عدد5117"، بتاريخ 22 دجنبر 2003، ص
4284.
[74] "الجريدة الرسمية
عدد4796"، بتاريخ 18 ماي 2000، ص 1112.
[75] "الجريدة الرسمية عدد4818"، بتاريخ 03 أكتوبر 1996، ص
2187.
[76] عبد الكريم غالي،
"محاور في المعلوميات والقانون"، مرجع سابق، ص 23 إلى 31، (بتصرف).
من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله