تأثير
التحكيم الإلكتروني على تسوية المنازعات التجارية: بين الابتكار القانوني وتحديات
التنفيذ
خليفة بن
مرهون بن سالم الرحبي
طالب باحث
بسلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي جامعة محمد
الخامس الرباط
The impact of electronic arbitration on
the settlement of commercial disputes between legal innovation and
implementation challenges
Khalifa Bin Marhoon Bin Salem Al RAHBI
مقدمة:
نحن الآن فيما يُعرف بعصر المعلوميات، الذي أصبح ظاهرة
عالمية بفضل التبادل الإلكتروني للبيانات بين الدول، مما ساهم في تنوع المعاملات
وتطورها، ومن ناحية أخرى، أدى ذلك إلى زيادة أسباب النزاعات بين مستخدمي هذه
التكنولوجيا، فضلاً عن تطور الأساليب المستخدمة لحل هذه النزاعات.
يُعدّ حل المنازعات عن بُعد، أو ما يُعرف بأسماء مثل
"التحكيم الإلكتروني"، "التحكيم عبر الإنترنت"، أو
"التحكيم عن بُعد"، من أبرز تجليات الثورة المعلوماتية في العصر الحالي.
ويُقصد بالتحكيم الإلكتروني في المفهوم القانوني،
اتفاق أطراف علاقة قانونية، سواء كانت عقدية أو غير عقدية، على حل المنازعة التي
نشأت بينهم أو التي يُحتمل أن تنشأ في المستقبل، وذلك عن طريق تعيين أشخاص يتم
اختيارهم كمحكمين. ويتولى الأطراف تحديد هيئة التحكيم أو على الأقل يتفقون على
اللجوء إلى التحكيم وتوضيح كيفية اختيار المحكمين، كما يمكن أن يُفوض الأطراف مهمة
تنظيم عملية التحكيم إلى هيئة أو مركز تحكيم دائم، الذي يقوم بتطبيق القواعد أو
اللوائح الخاصة به في تنظيم إجراءات التحكيم.
أما على مستوى الفقه، فقد تنوّعت التعريفات واختلفت في
تحديد مفهوم التحكيم الإلكتروني، فقد عرّفه البعض بأنه "نظام قضائي خاص يتم
فيه الفصل في النزاعات بعيداً عن القضاء العادي، ويُعيّن أشخاص مختارون للفصل
فيها"، بينما اعتبره آخرون "إجراء قضائي متميز، يتم بأسلوب مشابه للقضاء
التقليدي، ويكون لحكم التحكيم قوة إلزامية على الأطراف فيما يتعلق بالنزاع المعروض
أمام هيئة التحكيم".
قد خرج التحكيم من إطار أساليبه التقليدية وانتقل إلى
شبكة الإنترنت، وذلك لمواكبة الزيادة الكبيرة في العقود المبرمة بين أطراف متوزعين
في مختلف أنحاء العالم، الذي يصعب جمعهم إلا عبر الإنترنت، كما جاء هذا التحول
استجابةً للخلافات الناشئة عن تلك العقود الإلكترونية، والتي شهدت تزايدًا ملحوظًا.
وعليه، يلعب التحكيم
الالكتروني في حل منازعات التجارة الالكترونية باعتباره وسيلة لحسم المنازعات
الناشئة من التجارة الالكترونية، والعناوين الالكترونية وغيرها عن طريق اختيار
محكم أو محكمين يقومون بالفصل في تلك المنازعات بواسطة الانترنت وبقرار ملزم
للخصوم.
وتأتي أهمية التحكيم الإلكتروني كموضوع يستحق التمعن والدراسة
ومن حداثته كوسيلة من وسائل فض المنازعات الناشئة عن التجارة الإلكترونية، فرضته طبيعة
تلك التجارة الجديدة، كما ويكتسي أهمية بالغة، تنبع من دوره في فضّ المنازعات بطرق
عصرية وحديثة، ممّا يستلزم وهو ما يقضي تطوير نظام قانوني ملائم يحكم هذه العملية،
ويجد هذا التفكير أساسه في أن طبيعة شبكة الاتصال الإلكتروني التي تجرى من خلالها
التعامل الإلكتروني، تتجاوز الحدود الجغرافية للدول، تأبى الخضوع الكامل للتعامل
وفقا للقواعد التقليدية سواء فيما يتعلق بتكوين أحكامها وفيما يتصل بتسوية
منازعاتها ،، وكذا الكشف عن المشاكل والإكراهات التي تحد من فعالية هذه الآلية الجديدة
في فض النزاعات.
الشيء الذي دفعنا الى طرح
إشكالية مفادها:
ما مدى فعالية التحكيم الكتروني كوسيلة حديثة في
تسوية المنازعات التجارية؟
المحور الأول: مميزات التحكيم الإلكتروني
ودوره في تسوية النزاعات التجارية
بفضل التقدم العلمي في المجال الإلكتروني وما تلاه من
تطور معلوماتي وانتعاش في التجارة الإلكترونية، أصبح هذا النوع من التجارة يتسم
بسرعة إبرام العقود وتنفيذها، مما أثّر بشكل كبير على العديد من جوانب المعاملات
بين الأفراد.
كان لهذا
التطور تأثير واضح على المراكز القانونية وأسس المسؤولية المدنية والجنائية، ما
أثار تساؤلات حول كيفية تكييف المعاملات الإلكترونية والقوانين الواجب تطبيقها،
وغيرها من القضايا القانونية، ومع تزايد استخدام التجارة الإلكترونية وإبرام
العقود عبر الإنترنت، ظهرت خلافات بين الأطراف المتعاملة في هذا المجال، مما
استدعى البحث عن حلول أكثر فعالية لفض هذه النزاعات.
ومن أبرز هذه
الحلول نجد التحكيم الإلكتروني أو التحكيم عبر الإنترنت، الذي يتميز بسرعة التنفيذ
ودوره الفاعل في تسوية المنازعات، خاصة وأن له مزايا تجعله أكثر فعالية مقارنة
بالتحكيم التقليدي، كما أن إجراءاته تختلف إلى حد ما عن تلك المتبعة في القضاء
العادي.
الفقرة الأولى: مميزات التحكيم الإلكتروني
نتيجة لتطور معاملات التجارة وظهور ما يُعرف بالتجارة الإلكترونية،
أصبحت العقود الإلكترونية تبرز كأداة أساسية في المعاملات بين الأفراد. تتميز هذه العقود
بأنها تقوم على أساس الرضا بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول، وتُعقد عن بُعد، مما يطغى
عليها من طابع إذعاني. ومع ذلك، فإن هذه العقود لا تخلو من النزاعات بين أطرافها، حيث
يلجأ الأطراف إلى استخدام نظام التحكيم الإلكتروني لحل هذه النزاعات، نظرًا لما يتمتع
به هذا النوع من التحكيم من خصائص مميزة تجعله أكثر فعالية مقارنة بالتحكيم التقليدي[1].
وعليه، يتميز التحكيم الإلكتروني بعدد من المزايا التي
تجعله خيارًا مثاليًا في حل النزاعات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية، وأبرز هذه
المزايا:
- السرعة في إصدار الأحكام: نظرًا لسهولة
الإجراءات، حيث يمكن تقديم المستندات والأوراق عبر البريد الإلكتروني، ما
يتماشى مع طبيعة التجارة الإلكترونية التي تعتمد على السرعة في إبرام العقود
وتنفيذها.
- السهولة في التواصل: يمكن للأطراف المعنية بالتحكيم التواصل مباشرة مع
الخبراء والمحكمين عبر الإنترنت، مما يسهم في تسريع عملية التحكيم.
- توفير الوقت والجهد والتكاليف: لا يتطلب التحكيم
الإلكتروني حضور الأطراف المتنازعة بشكل مادي أمام المحكمين، حيث يمكن سماعهم
عبر وسائط الاتصال الإلكترونية باستخدام الأقمار الصناعية، مما يقلل من
التكاليف ويختصر الوقت.
- التعامل مع موضوعات متعلقة بالاقتصاد والتجارة: يختص
التحكيم الإلكتروني في القضايا التي تتعلق بالاقتصاد والتجارة والمشروعات
الاقتصادية، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية "ICSID" واتفاقية
نيويورك 1958 بشأن تنفيذ الأحكام الأجنبية.
- إجراءات رقمية وبسيطة: الإجراءات في التحكيم
الإلكتروني تتم بطريقة رقمية، مما يجعلها أكثر بساطة ومرونة مقارنة
بالإجراءات التقليدية. كما أن التحكيم الإلكتروني يتجاوز القيود التي تفرضها
القوانين الوطنية والعوائق الشكلية أو الموضوعية التي قد تواجه الأطراف عند
اللجوء إلى المحاكم الوطنية.
ومن الخصائص البارزة أيضا التي يتمتع بها التحكيم الإلكتروني
هي سرية المعلومات المرتبطة بالقضية، وهي سمة تعتبر من أبرز مزايا هذا النوع من التحكيم.
وعلى الرغم من
ذلك، لا توجد إجابة موحدة في القوانين الوطنية بشأن مدى إلزام الأطراف في قضية التحكيم
بالحفاظ على سرية المعلومات المرتبطة بالقضية[2]،
ومع ذلك، يمكن أن يشمل اتفاق التحكيم الإلكتروني شروطًا تتعلق بالسرية فيما يتعلق بعدد
من الأمور، مثل:
_المواد والمعلومات التي يجب أن تبقى سرية: مثل الأدلة،
المستندات المرفقة بالقضية، هوية المحكمين، ومضمون قرار التحكيم.
_تبادل الاتصالات بسهولة: يوفر التحكيم الإلكتروني سبلًا
ميسرة لتبادل الاتصالات الكتابية بين الأطراف والمحكمين، سواء عبر الفاكس، البريد الإلكتروني،
أو حتى الأقراص المغناطيسية. هذا يجعل تبادل الوثائق والمعلومات أكثر سلاسة ويُسهل
عملية التحكيم.
كل هذه المزايا تجعل من التحكيم الإلكتروني وسيلة
فعالة وسريعة لحل النزاعات، خصوصًا في ظل التجارة الدولية التي تتطلب حلاً سريعًا
ومرنًا.
الفقرة الثانية: دور التحكيم الإلكتروني في تسوية
النزاعات التجارية
مع تزايد حجم العقود المبرمة عبر الإنترنت والتجارة
الإلكترونية، زادت بالطبع النزاعات الناتجة عنها. ولما تمثله اللجوء إلى القضاء من
عبء ثقيل على الأطراف المتعاقدة، خاصة في العقود عن بعد التي تتم عبر شبكة
الإنترنت، بالإضافة إلى إشكالية تحديد القانون الواجب التطبيق في حال حدوث نزاع،
وقلق المتعاملين من فقدان التجارة الإلكترونية مكانتها البارزة في التبادل التجاري
الدولي، بدأت فكرة التحكيم الإلكتروني تبرز كوسيلة فعّالة لفض النزاعات الناتجة عن
التعاقد الإلكتروني.[3]
ونتيجة لهذا التزايد في الحاجة إلى حل النزاعات بشكل
أسرع وأكثر مرونة، بدأ التفكير في إنشاء مراكز التحكيم الإلكتروني المتخصصة، التي
توفر بيئة قانونية ملائمة للتعامل مع النزاعات في سياق التجارة الإلكترونية، مما
يساعد على تسريع عملية حل المنازعات ويعزز الثقة في هذه التجارة الرقمية.
يؤدي التحكيم الإلكتروني دورًا حيويًا في الحفاظ على
استقرار وإيقاع التجارة الإلكترونية، وذلك بفضل ما يمتاز به من سرعة ودقة في حل
النزاعات. تتمثل أهمية التحكيم الإلكتروني في اعتماده على أساليب حديثة ومتطورة لم
يكن المتقاضون أو رجال القانون قد اعتادوا عليها من قبل، مما يضعهم أمام تحديات
كبيرة لمواكبة هذا التطور السريع في ثورة الاتصالات[4].
وتنبع دوافع اللجوء إلى التحكيم الإلكتروني من عدة
عوامل، حيث يسعى الأطراف المتنازعون إلى عرض قضاياهم أمام أشخاص ذوي خبرة فنية
متخصصة، مما يساعد في الوصول إلى حلول دقيقة وسريعة.
كما أن هناك رغبة في تجنب
بطء الإجراءات القضائية التقليدية والتكاليف المرتفعة المرتبطة بها، بالإضافة إلى
رغبة الأطراف في تجنب علانية المحاكم، حيث يوفر التحكيم الإلكتروني خصوصية أكبر في
معالجة القضايا[5].
كما ويهدف التحكيم الإلكتروني أساسًا إلى تنقية وتأمين
العمل الإلكتروني وما يرتبط به، من خلال تسوية المنازعات الإلكترونية الحالية
وتقديم خدمات استشارية تهدف إلى منع حدوث أي نزاعات مستقبلاً، مما يساهم في بناء
مجتمع رقمي آمن. يتم ذلك عن طريق تقديم خدمات التحكيم عبر محكمين مختصين من خلال
وسائل الاتصالات الإلكترونية.
ومن الجوانب الهامة التي لا يجب إغفالها هي أن التحكيم
الإلكتروني يلعب دورًا محوريًا في تشجيع الاستثمار وتعزيز النشاط الاقتصادي،
بالإضافة إلى توفير الوقت من خلال القضاء على الحاجة للتنقل بين الأطراف إلى مكان
التحكيم، حيث يمكن إتمام العملية بالكامل عبر الإنترنت. بذلك، تتم عملية التحكيم
الإلكتروني بين الأطراف من أماكنهم الخاصة، بالاعتماد على الحواسيب والإنترنت فقط[6].
ولتفعيل دور التحكيم الإلكتروني في حل النزاعات بين
الأفراد، تم إنشاء العديد من المراكز المتخصصة في هذا المجال، حيث بدأت هذه
المراكز من خلال إعداد مشاريع مخصصة لحل النزاعات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية،
وضعت من خلالها أسس وقواعد تنظيمية واضحة لإجراءات التحكيم، بدءًا من رغبة الأطراف
في عرض النزاع للتحكيم وصولًا إلى إصدار حكم التحكيم.
في هذا السياق، تم عقد العديد من المؤتمرات الدولية
التي تعكس الوعي العالمي بأهمية التحكيم الإلكتروني في فض المنازعات، وذلك من قبل
دول عربية وغربية على حد سواء، من أبرز هذه المؤتمرات، المؤتمر الرابع للتحكيم
الدولي الذي عقد في صنعاء في الفترة بين 14 و15 سبتمبر 2002، تحت عنوان "مستجدات جديدة في التحكيم
الإلكتروني، حيث ركّز المؤتمر بشكل خاص على السمات الأساسية
لعملية التحكيم وسلوكيات المحكمين، كما ناقش حل نزاعات التجارة الإلكترونية عبر
الإنترنت. وتم التأكيد على التحديات التي يواجهها رجال القانون في حل هذه النزاعات،
حيث أنه من المفترض أن يتم حلها خلال دقائق أو أيام معدودة عبر الإنترنت، بحضور
المحكمين والمحامين من خلال تواصلهم عبر الشبكة.
كما تم تأسيس الاتحاد العربي للتحكيم الإلكتروني في 1 سبتمبر 2007 بالقاهرة،
والذي يهدف إلى فض منازعات التجارة الإلكترونية والملكية الفكرية، وأيضا سعيه إلى معالجة مشكلة الاختصاص والقانون الواجب التطبيق في
السياق الإلكتروني، ويعد بمثابة خطوة كبيرة نحو تعزيز التعاون الإقليمي في هذا
المجال المهم.
وتعتبر هذه الجهود محورية في تسهيل حل النزاعات التي
تنشأ في ظل المعاملات التجارية عامة والتجارة الإلكترونية خاصة وتحسين البيئة
القانونية الداعمة لها.
المحور الثاني: آليات تفعيل التحكيم الالكتروني والإكراهات التي تواجهه:
يعد التحكيم وسيلة فعّالة لتسوية المنازعات، حيث يختلف
عن طرق التقاضي العادية وما يتبعها من إجراءات قد تستغرق وقتًا طويلاً لا تسمح به
بعض المعاملات، فهو يمثل نوعًا من العدالة الخاصة التي ينظمها القانون، ويتيح
للخصوم في بعض الحالات الخروج عن ولاية القضاء العام لحل نزاعاتهم بواسطة أفراد
عاديين يتم اختيارهم من قبلهم للقيام بمهمة الفصل في المنازعات.
فالتحكيم الإلكتروني لا يختلف عن التحكيم التقليدي من
حيث المضمون، بل يختلف في الوسيلة التي يتم من خلالها تنفيذ الإجراءات في الفضاء
الإلكتروني. في هذا النوع من التحكيم، لا توجد الحاجة للورق أو الكتابة التقليدية
أو الحضور المادي للأطراف. بل إن الأحكام قد تكون جاهزة وموقعة إلكترونيًا، مما
يسهل الوصول إليها بطريقة سريعة وآمنة[7].
ومن أجل ضمان السير العادي
لعملية التحكيم الالكتروني كان لابد من وجود اليات لتفعيل هذه العملية وضمان حسن
تطبيقها (الفقرة الأولى) وفي مقابل هذا لابد من الإشارة الى المعيقات التي تهدد
عملية التحكيم الالكتروني (الفقرة الثانية)، خاصة وأن المغرب لا يتوفر على قانون
معلومات محدد ومستقل بل هناك مجموعة من النصوص المشتتة بين القوانين الخاصة
والقواعد العامة.
الفقرة الاولى: آليات تفعيل التحكيم الإلكتروني:
للاستفادة من الإيجابيات التي توفرها المعلوماتية
وتشجيع الإقبال على الخدمات المقدمة في إطارها[8]،
مثل التحكيم الإلكتروني، من الضروري توفير آليات تساهم في تفعيله وتذليل العقبات
المرتبطة به.
ومن بين هذه
الآليات، يتعين توفير إطار تشريعي يضمن الثقة للمحتكمين، بالإضافة إلى إنشاء البنى
التحتية المناسبة التي تدعم هذه العملية، كما يجب الاهتمام بالجانب الثقافي
والتعليمي، من خلال تكوين وتأهيل الموارد البشرية في هذا المجال، لضمان فعالية
وكفاءة التحكيم الإلكتروني.
أولا:
امتلاك الترسانة القانونية
أصبح الإنترنت والمعلومات بشكل عام، بوصفها ظاهرة
إنسانية واقتصادية واجتماعية، جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، ولا يمكن أن يستمر
تطورها دون وجود قواعد قانونية تنظمها، خاصة في ظل النمو المتزايد لهذه
التكنولوجيا وما تحمله من تحديات ومخاطر. هذه المخاطر تتجسد في غياب التنظيم
القانوني والحماية القانونية من الأخطار المرتبطة بهذه التقنية المعقدة والمتشعبة[9].
وفي غياب الإطار القانوني الذي ينظم عملية التحكيم
الإلكتروني بشكل خاص، والمعاملات عبر الإنترنت بشكل عام، وعدم توفير حماية كافية
ضد مخاطرها، فإن هذا قد يؤدي إلى تردد أطراف النزاع في اللجوء إلى التحكيم
الإلكتروني، وبدلاً من ذلك، سيضطرون إلى الاعتماد على أساليب التحكيم التقليدية،
سواء في الاتفاق أو سير العملية، خوفًا من أن يكون الحكم التحكيمي الإلكتروني غير
ملزم أو فاقدًا للقيمة[10]، ذلك
يتعيّن وجود قانون يعنى بالمجال المعلوماتي بشكل يجعله يتماشى مع إفراز الواقع
التكنولوجي الحديث.
والجدير بالذكر ان المشرع المغربي قد تدخل في هذا
الصدد بمجموعة من القوانين الخاصة كما هو الشأن بالنسبة للقانون رقم 53-05 ،[11] وكذا
المتعلّق بالمعادلة في الوثائق المحررة على الورق وتلك المُعدّة على دعامة
الكترونية، ونظم التوقيع الالكتروني والتشفير، وعالج العملية المتعلقة بمقدمي
خدمات التصديق الالكتروني والتشفير، والقواعد الواجبة التطبيق من طرف مقدمي الخدمة
ومن طرف الحاصلين على الشهادات الالكترونية المسلّمة، إذ بمقتضى هذا القانون جعل
المشرع المغربي قوة لإثبات الوثائق الإلكترونية مثلها مثل المستند الورقي[12] .
كما سمح المشرّع المغربي، وفقًا للفصل 3-65، باستخدام
الوسائل الإلكترونية لوضع عروض تعاقدية أو معلومات متعلقة بالسلع أو الخدمات، بهدف
إبرام العقود. وأكد على ضرورة الوثوق في الوسيلة المستخدمة للتوقيع الإلكتروني ما
لم يُثبت العكس، خاصة إذا كانت هذه الوسيلة تدعم التوقيع الإلكتروني المؤمّن، مع
ضرورة التوفر على شهادة مطابقة للتوقيع الإلكتروني من السلطة الوطنية المعنية[13].
كما جعل
المشرّع خدمات التشفير خاضعة للترخيص، وأوكل إلى السلطة الوطنية مسؤولية اعتماد
ومراقبة المصادقات وشروط قبول الطلبات، وفقًا للمادة 15 من الباب الأول.
وفي هذا السياق، فرض المشرّع عقوبات حبسية ومالية على
كل من قدّم تصريحات كاذبة أو سلّم وثائق مزوّرة إلى مقدّم الخدمات، أو من استخدم
تقنيات التشفير دون الترخيص المناسب، وغيرها من القوانين الأخرى ذات الصلة
بالمعاملات الالكترونية.
لكن تجدر
الإشارة إلى أنّ التوافر على المقتضيات القانونية، القليلة منها أو الكثيرة، لا
يوفر ضمانة كافية، بل حسن تطبيقها هو الأهم وهو الشيء الرهين بمدى كفاءة القائمين
على تنفيذها ومستوى تكوينهم وخبرتهم، وأيضاً إدراكهم خبايا المعلوميات، وتوفير
الأدوات والبنيات التحتية التي تسهّل ذلك.
ثانيا: توفير الموارد البشرية المتخصصة والبنيات التحتية
1_ التكوين المهني بالنسبة للمعلوماتيين: يتطلب قطاع
المعلوميات توافر عدد كبير من الأشخاص الأكفاء الذين يمتلكون المهارات اللازمة
للعمل في مجالات مثل تصميم الأنظمة (concepteurs de systèmes)، وتحليل البرمجيات، والبرمجة،
وإدارة الآلات.
هذه الفئات
تشكل العنصر البشري الأساسي في مراكز المعالجة المعلوماتية التي تعتمد عليها مراكز
التحكيم الإلكتروني. ولتلبية هذه الاحتياجات، يصبح من الضروري تنظيم برامج تكوين
مستمر على مستوى هذه الفئات التقنية لضمان تأهيلهم بشكل مستدام.
ومن هنا، فإن اتباع سياسة تكوينية متقدمة وعالية
المستوى أمر حيوي، بحيث تتماشى مع المعايير الدولية والتأهيل الذي يتمتع به
المتخصصون في الدول المتقدمة.
ويساعد هذا التكوين المستمر في تعزيز القدرة
التكنولوجية لمراكز التحكيم الإلكتروني، مما يساهم في تحسين كفاءة وفعالية
العمليات التحكيمية الرقمية.
2_تكوين غير المعلوماتيين: وبشكل خاص رجال القانون، يعتبر أمرًا بالغ
الأهمية في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة. وأفضل طريقة لتمكينهم من استيعاب
المعرفة المعلومياتية هي إدخالها ضمن المناهج الدراسية في المؤسسات القانونية
والقضائية، مع ربط هذه المعرفة بالمحيط القانوني، وذلك عبر دمج القواعد القانونية
مع الواقع التكنولوجي الحديث.
هذا النهج
يتطلب إعادة قراءة هذه القواعد بالنظر إلى المعطيات المستحدثة في مجتمع
المعلوميات، حيث لم يعد من المقبول أن يظل دور المحامي أو القاضي سلبياً تجاه دخول
المعلوميات إلى المجتمع، بل يجب أن يصبح فاعلاً في التعامل مع هذه التقنيات من
خلال دراسة جوانب علاقتها بالقانون على المستويين العلمي والنظري، بالإضافة إلى
فهم كيفية تطبيق هذه التقنيات في الواقع العملي، وهو ما سيسهم في تفعيل التحكيم
الإلكتروني وتشجيع اللجوء إليه[14].
من ناحية أخرى، ينبغي النظر إلى تخطيط التكوين في إطار
استراتيجية شاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. يجب تحديد أهداف الإنتاج وحجم
الاستثمار والنمو في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وكذلك تحديد احتياجات القوى
العاملة. وبناءً على ذلك، يمكن تحويل هذا الطلب إلى احتياجات تعليمية وتكوينية
موجهة، كما يتطلب الأمر توفير البنى التحتية اللازمة، مثل إنشاء شبكة معلوماتية
متكاملة وتسهيل إنشاء مراكز للتحكيم الإلكتروني.[15]
فإذا كانت هذه بعض الآليات التي من شأن توافرها والسهر
على فعاليتها أن تؤدي إلى تفعيل التحكيم الالكتروني على المستوى الوطني، فما هي
الإكراهات التي تحد من فعالية التحكيم الالكتروني بصفته آلية لفضّ النزاعات؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في الفقرة الآتية:
الفقرة الثانية: الإكراهات التي تحدّ من فعالية التحكيم
الالكتروني:
لا يخلو أي نظام بشري من بعض القصور في بعض جوانبه،
ويظهر هذا عادة بعد بدء تطبيقه وتنفيذه، وهو ما ينطبق أيضاً على التحكيم الإلكتروني،
الذي أُعد لتسهيل حل النزاعات بين الأطراف. إلا أن هذا النظام قد تعرض لبعض
المعوقات التي ظهرت في شكل صعوبات أو قصور في آليات عمله.
من أبرز المشكلات التي واجهت العملية التحكيمية
الإلكترونية هي تحديد أهلية الأطراف المتنازعة، إضافة إلى صعوبة تنفيذ بعض
الإجراءات الضرورية عبر الوسائل التكنولوجية، فضلاً عن المخاوف المتعلقة بضمان
سرية عملية التحكيم الإلكتروني.
أولا: الأهلية
اشترطت العديد من الأنظمة القانونية، مثل تلك المعتمدة
في الجزائر وفرنسا ومصر، ضرورة توافر الأهلية القانونية لكل من طرفي النزاع
والمحكمين. ومن المؤكد أن مسألة الأهلية بالنسبة للمحكمين ليست من القضايا
الجوهرية في التحكيم الإلكتروني، حيث تتم العملية التحكيمية عادة عبر الإنترنت
بواسطة مراكز تحكيم كبيرة، التي تضمن دقة الإجراءات واهتمامها بكل التفاصيل، خاصة
تلك المتعلقة بالجوانب الأساسية للعملية.
لكن يظل النقاش والتركيز في مسألة الأهلية القانونية
لطرفي النزاع. وفي حالة عدم توافر الأهلية لأحد طرفي النزاع، فإن اتفاق التحكيم
يعتبر باطلاً بسبب نقص أو انعدام الأهلية عند توقيع الاتفاق، مما يؤدي إلى بطلان
حكم التحكيم الصادر في النزاع التجاري[16].
ثانيا: عدم ضمان سرية التحكيم
من أبرز مساوئ التحكيم الإلكتروني هو إمكانية اختراق
سرية العملية التحكيمية من قبل قراصنة الإنترنت، مما يعرض سرية العملية للتحكيم
للخطر.
فضمان سرية
هذه العملية ليس دائمًا مضمونا في التحكيم الإلكتروني، حيث تُجرى إجراءات التحكيم
عبر الإنترنت، ويُخصص لكل طرف رقم سري يتيح له الدخول إلى الموقع الخاص بالقضية
التي يتم التحكيم فيها. من خلال هذا الرقم، يمكن للطرفين التواصل مع المحكم
والاطلاع على الوثائق والمستندات المتعلقة بالنزاع.
ومع ذلك، فإن حصول أطراف النزاع على الأرقام السرية قد
يتطلب تدخل أشخاص فنيين ليس لهم علاقة بالنزاع، مما يسهل وصولهم إلى هذه الأرقام،
وهذا يعني أن الأرقام السرية قد لا تكون محصورة في يد الخصوم فقط، وهو ما يهدد
سرية الإجراءات التحكيمية[17].
ثالثا: صعوبة إجراء بعض الإجراءات اللازمة عن طريق الوسائل
الإلكترونية
رغم أن استخدام الوسائل الإلكترونية يسهم في تسهيل
الكثير من الإجراءات ويوفر الجهد والوقت، إلا أنه لا يمكن إغفال أن هناك بعض
الإجراءات التي، في غالب الأحيان، لا يخلو منها أي تحكيم، والتي لا يمكن تنفيذها
إلا باستخدام الوسائل التقليدية.
وفي ظل هذا
التقدم التكنولوجي، قد نطلق على هذه الوسائل اسم "الوسائل التقليدية"
حتى يتم تقنين الحلول الإلكترونية التي يمكن اللجوء إليها، من بين هذه الإجراءات،
يأتي إجراء المعاينات، سواء كانت ستتم بواسطة هيئة التحكيم نفسها أو بواسطة خبير
تعينه الهيئة، شريطة أن تكون لها الصلاحية في اتخاذ هذا الإجراء، وذلك بهدف
استجلاء الحقيقة في موضوع النزاع وتوضيح أي تفاصيل قد تكون غامضة على أعضاء الهيئة.
وتتجلى هذه الصعوبة أيضًا في الحالات التي تتطلب
مناقشة الشهود والخبراء، حيث يمكن القيام بذلك باستخدام وسائل الاتصال اللاسلكية.
ومع ذلك، فإن مناقشتهم بالطريقة التقليدية تُعدّ أكثر قوة ووضوحًا في استجلاء
الحقيقة، وذلك لأنها تمكن من ملاحظة تعبيرات وجه الشاهد ودرجة توتره ومدى اتزانه،
وهي عوامل حاسمة في تقدير مصداقية شهادته[18].
وفي الختام، لقد شهد موضوع التحكيم الإلكتروني في مجال
التجارة الدولية تطورًا كبيرًا وأصبح يلعب دورًا محوريًا وأساسيًا في صياغة وتطوير
قوانين خاصة بالتجارة الدولية، سواء التقليدية أو الإلكترونية. كما أصبح لهذا
المجال نطاق قانوني عالمي يتجاوز الأنظمة القضائية الوطنية، وتمكن من التغلب إلى
حد ما على قلة الثقة التي تنشأ بسبب اختلاف النظم الاقتصادية والسياسية بين
المتعاملين في هذا المجال.
فلم يعد التحكيم الإلكتروني مجرد خيار يُستعرض محاسنه،
بل أصبح ضرورة تفرضها واقعية التجارة الدولية، ولم يعد دوره مقتصرًا على فض
المنازعات بعد حدوثها، بل أصبح يُعتبر أداة فعّالة يجب استخدامها لتفادي حدوث
النزاعات منذ مرحلة إبرام العقود. وفيما يتعلق بدور التحكيم الإلكتروني في حل نزاعات
التجارة الدولية، فهو يعد خطوة هامة جدًا في ظل التحول الرقمي الذي ألغى الحاجة
إلى الورق في التجارة الإلكترونية. هناك الآن تطبيقات عملية ومتنوعة تمكّن
المتعاملين من حل نزاعاتهم بعيدًا عن المحاكم، باستخدام الوسائل التكنولوجية
المتاحة عبر شبكات الاتصال الإلكترونية.
وبناءً على ذلك، يمكن القول إن التحكيم الإلكتروني لا
يختلف عن التحكيم التقليدي سوى في الوسيلة التي يعتمد عليها، ففي الفضاء
الإلكتروني، لكل مجال خصائصه وتقاليده وسكانه، والتحكيم الإلكتروني هو مزيج من
القواعد والإجراءات التي كانت تستند في الأصل إلى البيئة التقليدية، إلا أنها
أوجدت قواعد وأعرافًا جديدة وأسست نوعًا جديدًا من التحكيم. فالتحكيم الإلكتروني
أصبح واقعًا ملموسًا في العالم، وقد وصل إلى مراحل متقدمة بفضل تكيّفه مع متطلبات
العالم الرقمي.
ومن هذا المنطلق يتعين أن
تتولى المقاولة وقاية نفسها من الصعوبات والإختلالات التي قد تعترض استمرارية
نشاطها خلال فترة استغلالها، وبالتالي تفادي توقفها عن أداء ديونها[19]، وذلك
من خلال العمل على تحريك المساطر التي نص عليها قانون صعوبات المقاولة في الكتاب
الخامس المعدل بالقانون رقم 73.17، وسلوك إجراءات وقائية على مستوى مساطر الوقاية
الداخلية (المبحث الأول). ومتى فشل رئيسها أو تقاعس رغم
إبلاغه من قبل أجهزة المقاولة أو عجزت المقاولة عن تصحيح تلك الاختلالات، وبالتالي
عدم القدرة على مواجهة الصعوبات التي قد تعترض المقاولة،يتم الاستعانة والاستغاثة
بجهات خارجية لمساعدتها على التخفيف من حدتها وبالتالي التصدي لتلك الصعوبات
بمساعدة رئيس المحكمة لأجل العمل على الوفاء بديونها من خلال إبرام اتفاق للمصالحة
(المبحث الثاني).
المبحث الأول: وقاية
المقاولة نفسها من الصعوبات المؤدية إلى التوقف عن الدفع
تنص المادة 545 من المدونة على أنه: "يتعين على
المقاولة أن تقوم بنفسها عن طريق تطبيق مساطر الوقاية الداخلية من الصعوبات بتصحيح
ما من شأنه أن يخل باستمرارية استغلالها وإلا تم ذلك عن طريق الوقاية الخارجية،
بتدخل من رئيس المحكمة".
يقصد بوقاية المقاولة[20]نفسها كل عملية يتولاها المكلفون بالتسيير وإدارة المقاولة التي تعرف
وضعيتها بعض الإختلالات التي من شأنها أن ترتب صعوبات تؤدي إلى التوقف عن الدفع،
وهو ما يستدعي ضرورة وقاية المقاولة من الصعوبات المتمثلة في وقائع قد تعترض
استمرارية نشاطها[21]،ولأجل تحقيق تلك الوقاية سن المشرع المغربي القانون رقم 73.17 الذي تولى
تنظيم مسطرة الوقاية الداخلية (المطلب الأول)، حيث خص لهذه الأخيرة المشرع
المادتين547 و548 وتناول من خلالهما الجهات المعنية بعملية تحريك إجراءات الوقاية
من قبل ذوي العلاقة بالمقاولة مباشرة، خصوصا القائمين على إدارتها و مراقبتها وعلى
رأسهم رئيس المقاولة ومراقب أو مراقبي الحسابات، أو أحد الشركاء لأجل وقاية
المقاولة من الصعوبات التي قد تعترض مسيرتها، وحدد من خلالهما المقاولات التي
تستفيد من عملية الوقاية الداخلية(المطلب الثاني).
المطلب الأول: مسطرة الوقاية الداخلية من الصعوبات
المؤدية إلى التوقف عن الدفع
إن تذليل الصعوبات
المتمثلة في وجود وقائع من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة تقتضي اتباع
مساطر الوقاية من الصعوبات طبقا للأحكام المنصوص عليها في المادتين 548و547 من
مدونة التجارة، باعتبار أن المقاولة يفترض في هذه الحالة أنها لم تصل بعد إلى
مرحلة التوقف عن دفع ديونها أو إلى المرحلة التي تصبح خلالها وضعيتها مختلة بشكل
لا رجعة فيه وهو ما يسمح بالتالي بتطبيق مسطرة الوقاية الداخلية[22].
فالصعوبات التي يمكن أن تعترض المقاولة خلال فترة
استغلالها، قد تختلف من حيث طبيعتها ومن حيث درجة حدتها ومدى تأثيرها على
استمرارية هذا الاستغلال، فهذه الصعوبات يمكن أن تكون ذات طبيعة قانونية أو ذات
طبيعة اقتصادية، مما يؤثر على الوضعية المالية للمقاولة المعنية بالأمر بصورة
تختلف من حالة إلى أخرى وبدرجات متفاوتة في الخطورة (الفقرة الأولى)، والتصدي لتلك
الصعوبات على مستوى مسطرة الوقاية الداخلية يكون من قبل رئيس المقاولة تلقائيا أو
عن طريق تبليغه من قبل مراقب الحسابات أو الشريك بضرورة القيام بهذه الوقاية (الفقرة
الثانية).
الفقرة الأولى: الصعوبات
والوقائع التي من شأنها أن تؤدي إلى التوقف عن الدفع
تعتبر الصعوبات المتمثلة في وجود وقائع من شأنها
الإخلال باستمرارية المقاولة من ضمن المستجدات التي أدخلها المشرع المغربي على
نظام المساطر الجماعية[23]،
بمقتضى القسم الأول من الكتاب الخامس من مدونة التجارة لسنة 1996، التي تم تعديلها
بمقتضى القانون رقم [24]73.17.
وبناء على ذلك، فإنه ينبغي تحديد مفهوم الوقائع التي
من شأن وجودها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة وتحديد مجال تطبيق مسطرة
الوقاية (أولا)، ثم رصد الوسائل المقررة بمقتضى القانون لأجل التصدي للوقائع
المذكورة (ثانيا).
أولا: مفهوم الصعوبات ومجال
الوقاية منها
من أجل وقاية المقاولة من الصعوبات التي قد تتعرض لها
أثناء مزاولة نشاطها يتعين قبل كل شيء التعرف على نوعية الصعوبات قصد إيجاد طرق
لتذييلها (1)، ومعرفة النطاق الذي تصل إليه هذه الحماية على ضوء مسطرة الوقاية
الداخلية (2).
1: مفهوم الصعوبات التي من
شأنها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة
بالرغم من أن المشرع نص في
المواد من 546 إلى 548[25] من
القانون رقم 73.17 من مدونة التجارة، نجدها تشير إلى الوقائع التي من شأن وجودها
أن تخل باستمرارية استغلال المقاولة دون تحديد معنى للصعوبات ما عدا بعض الإشارات
حول هذا المعنى الذي أورده المشرع في مواد أخرى من هذه المدونة، ومن ذلك مثلا ما
جاء في المادة 550 من ذات المدونة التي تنص على أنه: "يكون إجراء التسوية
الودية مفتوحا أمام كل مقاولة تجارية أو حرفية من دون أن تكون في وضعية التوقف عن
الدفع، تعاني من صعوبات قانونية أو اقتصادية أو مالية أو لها حاجات لا يمكن
تغطيتها بواسطة تمويل يناسب إمكانات المقاولة...".
وهكذا يمكن القول بأن وجود الوقائع التي من شأنها الإخلال
باستمرارية استغلال المقاولة، قد ينتج عن معاناة المقاولة من صعوبات قانونية أو
مالية يكون لها أثر على توازن المقاولة (أ)، مما يهددها بالتوقف عن دفع ديونها إذا
لم يتم التعجيل بإزالة ما يعترضها من صعوبات من هذا النوع (ب).
ثانيا: كيفية التصدي للصعوبات التي من شأنها الإخلال
باستمرارية استغلال المقاولة
ومساطر الوقاية من الصعوبات تنقسم حسب مقتضيات الكتاب
الخامس من مدونة التجارة إلى نوعين، مسطرة الوقاية الداخلية (1) ومسطرة الوقاية
الخارجية (2).
1-
مجال تطبيق أحكام الوقاية
الوقاية الداخلية كمسطرة غير قضائية لمواجهة الوقائع
التي من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة: تسمى هذه المسطرة
بالوقاية الداخلية لكونها تجري داخليا بين مختلف أجهزة المقاولة التي تتألف من
مراقبي الحسابات والشركاء، ورئيس المقاولة أي الممثل القانوني للشخص الاعتباري
(المادة 545)، ومجلس الإدارة ومجلس المراقبة والجمعية العامة ( المادتان 546
و547)، وتهدف هذه المسطرة إلى فتح حوار
ونقاش داخل المقاولة بين مراقب الحسابات أو أي شريك في الشركة، وبين الأجهزة
الإدارية المختلفة المكلفة بالتسيير كرئيس المقاولة ومجلس الإدارة أو مجلس
المراقبة، حسب أنماط الإدارة المحددة في قانون شركات المساهمة[26]،
والجمعية العامة حول الصعوبات والوقائع التي تم اكتشافها، والتي من شأنها الإخلال
باستمرارية استغلال المقاولة، وتبادل الآراء حولها، والبحث عن أفضل الحلول واقتراح
أنجع الطرق لتصحيح وتسوية وضعية المقاولة وإعادة التوازن الاقتصادي أو المالي أو
الاجتماعي إلى وضعه الطبيعي.
ثالثا: نطاق تطبيق مسطرة الوقاية الخارجية
تنص الفقرة الأولى من المادة
547من مدونة التجارة (قانون 73.17) على أنه: "إذا لم يعمل رئيس المقاولة
تلقائيا على تصحيح الاختلال الذي من شأنه أن يؤثر سلبا على استغلالها، يبلغ إليه
مراقب الحسابات إن وجد أو أي شريك في الشركة...."
ويستفاد من النص المشار إليه
أن مجال تطبيق مسطرة الوقاية من الصعوبات التي من شأنها أن تؤدي إلى التوقف عن
الدفع، يهم المقاولات التي تأخذ شكل شركة تجارية ويتعلق الأمر هنا بشركات
المساهمة، وشركات التضامن وشركة التوصية البسيطة، وشركات التوصية بالأسهم وشركات المسؤولية
المحدودة المتعددة الشركاء، ويستوي الأمر في هذه الشركات أن يكون قد عين فيها
مراقب الحسابات أم لا، لأن إعلام رئيس المقاولة بالصعوبات والإختلالات المؤدية إلى التوقف عن الدفع أوكلته المادة 547 م.ت إلى جانب مراقب الحسابات
للشريك، متى كان الأمر يتعلق بالشركات[27].
وتعد مسطرة الوقاية من
الصعوبات الواردة في الكتاب الخامس من م.ت مسطرة استثنائية تطبق فقط على المقاولات
التي تتخذ شكل شركة تجارية أو صناعية أو حرفية، كما تخضع المجموعات ذات النفع
الاقتصادي ذات الغرض التجاري، خصوصا وأنه أحيانا تخضع هذه الأخيرة للمراقبة من طرف
مراقبي الحسابات إذا كانت تمارس إحدى الأنشطة التجارية المنصوص عليها في المواد 6
و7 و8 من مدونة التجارة،
مما يعني ضرورة خضوعها لأحكام
الوقاية من الصعوبات لتفادي التوقف عن الدفع وذلك من خلال تحريك المراقب لإجراءات
الوقاية، متى امتنع رئيس المقاولة أو تجاهل أو تغاضى لأسباب شخصية أو ذات علاقة
بظروف وحسابات خاصة أو عامة عن القيام بتصحيح الإختلال الذي من شأنه أن يؤثر على
استغلال المقاولة[28].
ويخرج عن نطاق تطبيق إجراءات
الوقاية من الإختلالات والصعوبات تبعا لذلك المقاولات الفردية، كالأصل التجاري
وكذلك الشركات المدنية والمجموعات ذات النفع الاقتصادي ذات الغرض المدني، وكذلك
شركة المحاصة ذات الغرض التجاري لأنها لا تتوفر على الشخصية المعنوية، إضافة إلى
المقاول الذاتي[29].
الفقرة الثانية: المكلفين بوقاية المقاولة من الصعوبات
تعرض المشرع في مسطرة الوقاية
الداخلية للآليات التي يتعين سلوكها لأجل تطبيق إجراءات المسطرة، ويتعلق الأمر
برئيس المقاولة (أولا)، ثم مراقب الحسابات (ثانيا)، وأخيرا بأحد الشركات (ثالثا).
أولا: قيام رئيس المقاولة تلقائيا بالوقاية
تنص المادة 547 من م.ت على
أنه: "إذا لم يعمل رئيس المقاولة، تلقائيا، على تصحيح الإختلال الذي من شأنه
أن يؤثر سلبا على استغلالها، يبلغ إليه مراقب الحسابات، إن وجد أو أي شريك في
الشركة، الوقائع أو الصعوبات..."، وبناء على ذلك فإن الوقاية من الصعوبات
التي قد تنجم عن الوقائع و الإختلالات التي من شأنها أن تؤثر سلبا على السير
العادي للمقاولة-مما يجعلها مهددة بواقعة التوقف عن الدفع- يتولاها تلقائيا رئيس
المقاولة كأحد المهمات الأساسية التي تقع على عاتقه كمسير للمقاولة ورئيس لها،
ومتى تقاعس أو أهمل أو امتنع أو عجز، فإن المشرع المغربي سن مجموعة من الإجراءات
يهدف من ورائها تحقيق الوقاية والحماية للمقاولة من الوقائع والإختلالات التي من
شأنها أن تؤدي إلى التوقف عن الدفع[30].
ثانيا: مراقب الحسابات
يتم تعيين مراقب الحسابات داخل كل شركة إما وجوبا
إذا كان الأمر يتعلق بشركة مساهمة أو شركة توصية بالأسهم، أو يتم تعيينه اختياريا
في الشركات الأخرى التجارية المتعددة الأطراف كشركة التضامن وشركة التوصية البسيطة
والشركة ذات المسؤولية المحدودة من طرف الأجهزة المسيرة للشركاء حسب نظامها
الأساسي في الحالة العادية، أو أن يتم تعيينه بناء على أمر صادر من رئيس المحكمة
التجارية (المواد 12/21 و 80[31] من
القانون رقم 5.96)، وعادة ما يتم تعيين مراقب الحسابات من طرف الجمعية العامة
للشركة، بعد تأسيس الشركة لمدة ثلاثة سنوات مالية، أو أثناء التأسيس لمدة سنة.
وفي هذا السياق تنص المادة
165 من قانون شركات المساهمة على أنه: "في حالة عدم تعيين الجمعية العامة
لمراقب الحسابات، يتولى رئيس المحكمة بصفته قاضي المستعجلات تعيين مراقب الحسابات
أو يعين بناء على طلب من أي مساهم في الشركة". كما
يمكن أن يعين الشركاء في شركة التضامن والتوصية البسيطة بالأغلبية مراقب أو أكثر
للحسابات متى بلغ رقم معاملاتها 50 مليون درهم دون اعتبار الضرائب[32].
ثالثا: الشركاء
خول المشرع للشركاء في
جميع الشركات التجارية والمجموعات ذات النفع الاقتصادي التجارية، ما عدا شركة
المحاصة والشركة ذات المسؤولية المحدودة ذات الشريك الوحيد أن يمارسوا الوقاية
الداخلية للمقاولة فرادى أو جماعة[33]. فالشريك
بناء على المادة 547 من م.ت له الحق في تبليغ رئيس المقاولة الوقائع التي من شأنها
الإخلال باستمرارية استغلاله المقاولة وعرقلة نشاطها وتهديدها بالتوقف عن أداء
التزاماتها، ويعكس هذا الوضع نية المشاركة لدى الشريك وحرصه على مصالح المقاولة،
مستعينا في ذلك بالوسائل القانونية التي وفرها له المشرع في إطار قانون الشركات
التجارية، المتمثلة في إلزام الشركة بإعلام المساهمين والشركاء، مع التنصيص على
جزاءات مدنية وجنائية عند الإخلال بذلك تطال المسيرين[34]،
وإمكانية بطلان الجمعيات العامة[35].
المطلب الثاني : إجراءات الوقاية الداخلية
تنطلق مهمة المكلفين بالوقاية الداخلية باكتشاف
الوقائع (الفقرة الأولى) وإتمام تبليغها لرئيس المقاولة الذي يكون له الاستعانة
بهياكل المقاولة ودعوته للجمعية العامة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: اكتشاف الوقائع المؤدية إلى التوقف عن
الدفع
فمسطرة
الوقاية الداخلية هدفها العمل على الكشف عن إرهاصات وبوادر الصعوبات قبل حدوثها
ليسهل تجاوزها والتغلب عليها[36]،
ولذلك اعتبرت إجراءات هذه المسطرة إجراءات سابقة لمرحلة التوقف عن الدفع للمقاولة
المدينة، تلجأ إليها هذه الأخيرة عند اكتشاف درجة الصعوبات التي تعيقها دون أن
تكون في حالة التوقف الفعلي، كما اعتبرت هاته الإجراءات حصرية، أي لا يمكن ابتداع
إجراءات غير منصوص عليها في القانون رقم 73.17، ومن تم فحسب
المادتين 547 و548 من ذات القانون تتحدد إجراءات الوقاية الداخلية، بداية باكتشاف
الوقائع التي من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال الشركة من طرف مسیرها أو مجلس إدارتها أو مجلس المراقبة أو مجلس الإدارة الجماعية[37]،يتم
تداولها ومناقشة الحلول المطلوبة حسب كل حالة، كما قد يتم تبليغ رئيس المقاولة من
طرف مراقب الحسابات أو الشريك[38]، بما
تم اكتشافه من وقائع كما تقدم فإن رئيس المقاولة
من مهامه الأساسية حماية ومراقبة السير العادي للمقاولة، وفي هذا الصدد تنص الفقرة
الأولى من المادة 547م.تعلى أنه: "...يبلغ إليه مراقب الحسابات،إن وجد أو أي
شريك في الشركة، الوقائع أو الصعوبات خاصة الصعوبات ذات الطبيعة القانونية أو
الاقتصادية أو المالية أو الاجتماعية التي من شأنها الإخلال باستمرارية استغلالها،
وذلك داخل أجل ثمانية ايام من اكتشافه لها برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل يدعوه
فيها إلى تصحيح ذلك الإخلال."
الفقرة الثانية: دعوة الجمعية العامة للانعقاد
إذا لم يستجب رئيس المقاولة
لدعوة التصحيح داخل 15 يوما من تاريخ التوصل برسالة مضمونة مع الإشعار من قبل
مراقب الحسابات، أو الشريك في الشركة أو
كانت الإجراءات التي اتخذها بناء على سلطته التقديرية أو بعد استشارته لمجلس الإدارة
أو مجلس المراقبة -حسب الهياكل الموجودة بالمقاولة- غير كافية لتصحيح الإخلال،
آنذاك يتعين على رئيس مجلس الادارة أو مجلس الرقابة حسب مقتضيات الفقرة الثانية من
المادة 547 م.ت وبعد توصله بإشعار بالصعوبات التي من شأنها أن تخل باستمرارية نشاط
المقاولة داخل أجل خمسة عشر يوما،الإجابة على ذلك الإشعار إما بشكل شخصي ومنفرد أو
من خلال دعوة المجلس الذي يترأسه للانعقاد.
إلى جانب ذلك يتوجب عليه
عندئذ دعوة مراقب الحسابات حضور أشغال هذا الاجتماع، ومادام مراقب الحسابات وراء
اكتشاف الوقائع التي من شأنها أن تخل باستمرارية نشاط المقاولة ومع ذلك لا تتم
دعوته لحضور اجتماع أعمال المجلس المنعقد[39].
ويبعث للجمعية العامة تقرير
مراقب الحسابات أو تقرير الشريك عند عدم وجود مراقب الحسابات، وينبغي أن يتضمن هذا
التقرير الوقائع التي تم اكتشافها والنتائج التي تم التوصل إليها من قبل رئيس
المقاولة وبيان ما إذا كانت كافية أم لا، وتناقش الجمعية العامة هذا التقرير بحضور
مراقب الحسابات وفق المادة 170قانون شركات المساهمة[40] وكذا
المواد 13-21-34-83 من قانون رقم 5.96، الذي لا يجوز له أن يتدخل في اتخاذ
القرارات لأن أعمال التسيير محظورة عليه، ويبقى للمساهمين أو الشركاء وحدهم الحق
في تقدير صواب أو خطأ السياسة التي اتبعها رئيس المقاولة أو مجلس الإدارة أو مجلس
المراقبة، والتي على أساسها تم اتخاذ القرارات الحاسمة التي يتطلبها الموقف.
ومعلوم أن رئيس المقاولة هو
من يسمح له بدعوة هياكل المقاولة وفقا للفقرة الثانية من المادة 547 من م.ت وبشكل
اختياري ويتعين على الجمعية العامة أن تنعقد في حالة استعجالية وفي أجل يكون قريبا
محدد في الدعوة الموجهة للانعقاد لأجل مواجهة المستجدات كما يدعون، إن اقتضى
الحال، إلى حضور اجتماعات مجلس الإدارة أو مجلس الرقابة في نفس الوقت الذي تتم فيه
دعوة المتصرفين أو أعضاء مجلس الرقابة وذلك بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل." أي العمل على تصحيح الوقائع
في أقرب الآجال تفاديا لآثارها التي ستنعكس على استمرارية استغلال المقاولة وعلى
رأسها التوقف عن أداء ديونها المستحقة.
وقد تنجح مسطرة الوقاية
الداخلية في تصحيح الإخلال الذي تعيشه المقاولة، وعلى العكس من ذلك قد تفشل في
اتخاذ قرارات مجدية أو لا تنعقد الجمعية العامة بالمرة، وهو ما يستدعي قيام مراقب
الحسابات ورئيس المقاولة أو أي شريك في الشركة بإخبار رئيس المحكمة التجارية بالصعوبات
التي تعترض المقاولة على الرغم من اتخاذ الإجراءات الخاصة بالوقاية من الإختلالات
والصعوبات.
المبحث الثاني: مسطرتي الوقاية الخارجية والمصالحة لتفادي التوقف عن
الدفع
يقصد بمسطرة الوقاية الخارجية
اتخاذ القضاء إجراءات لوقاية المقاولة من الصعوبات المؤدية إلى التوقف عن الدفع من
قبل جهات خارجية عن المقاولة، ويناط بها تقديم المساعدة لوقاية المقاولة من
الصعوبات التي تعترضها و يتعلق الأمر بالجهاز القضائي الذي يلعب دورا أساسيا يتمثل
في السلطة التقديرية لرئيس المحكمة التجارية وبالاستعانة أحيانا بوكيل خاص يعين
لغرض تسهيل عملية التقريب بين وجهات النظر(المادة 549 من المدونة التجارية) ،
خصوصا و أن القضاء يعد جهاز مستقل ومحايد،لا يرتبط بالأجهزة الداخلية للمقاولة لا
إداريا ولا ماديا ولا معنويا، مما يؤهله من خلال ما لديه من إمكانيات و تسند إليه
هذه المهمة (في شخص الرئيس) كوظيفة جديدة لم يعهدها من قبل، تفرض عليه المساهمة في
تصحيح أوضاع المقاولة المتعثرة، وهي تختلف عن الوظيفة التقليدية المتمثلة في البت
في المنازعات وإصدار الأحكام[41].
سميت هذه الإجراءات الوقائية
-المطلوب تتبعها والإشراف عليها من قبل القضاء لأجل تفادي التوقف عن الدفع- بمسطرة
الوقاية الخارجية، وذلك على أساس أن الأطراف الفاعلة والمشرفة على تسييرها بغرض
تحقيق أهدافها لا تنتمي إلى الأجهزة الداخلية للمقاولة بصلة ولا ترتبط هذه الأخيرة
بأية مصلحة مشتركة (المطلب الأول)، ومن جهة أخرى يتم القيام بإجراءات تعاقدية
المعدة في شكل اتفاق ودي يصادق عليه رئيس المحكمة التجارية، ويودع الاتفاق لدى
كتابة ضبط المحكمة التجارية، ويطلق على هاته الإجراءات بمسطرة المصالحة (المطلب
الثاني).
المطلب الأول: مسطرة الوقاية
الخارجية كآلية لتفادي واقعة التوقف عن الدفع
وترمي مسطرة الوقاية الخارجية[42]، إلى
فتح حوار أو نقاش سري كذلك، يجري بين رئيس المقاولة ورئيس المحكمة التجارية حول
الصعوبات التي من شأنها الإخلال باستمرارية الاستغلال أو النشاط والبحث عن الحلول
الملائمة وتقديم الاقتراحات الناجمة تفاديا للتوقف عن سداد الديون المستحقة عند
تاريخ الحلول وسنحاول الحديث عن نطاق تطبيقها (الفقرة الأولى)، والإجراءات
المتعلقة بتطبيقها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: المقاولات المستفيدة من مسطرة الوقاية
الخارجية
تختلف المقاولات التي تستفيد
من نظام مساطر صعوبات المقاولة حسب المسطرة التي ستطبق عليها (أولا)، وذلك بالنظر
لخصوصية كل مسطرة وخصوصية إجراءاتها (الفقرة الثانية).
أولا: المقاولات المستفيدة
من الوقاية الخارجية
تنص المادة 549 م.ت على
مايلي: " تفتح مسطرة الوقاية الخارجية أمام رئيس المحكمة في الحالة الواردة
في المادة السابقة أو كلما تبين له من عقد أو وثيقة أو إجراء أن مقاولة، دون أن
تكون في وضعية التوقف عن الدفع، تعاني من صعوبات قانونية أو اقتصادية أو مالية أو
اجتماعية أو لها حاجيات لا يمكن تغطيتها بواسطة تمويل يناسب إمكانات المقاولة." وبين
المشرع المقصود بالمقاولة التجارية في المادة 546 م.ت: "يقصد بالمقاولة في
مدلول هذا الكتاب الشخص الذاتي التاجر أو الشركة التجارية"، واستنادا إلى ذلك
فإن مسطرة الوقاية الخارجية، تطبق على كل مقاولة تجارية فردية كانت أو جماعية،
تواجه صعوبات من شأنها أن تخل باستمرارية استغلالها، ويستفاد من هذا النص أن
الوقاية الخارجية يستفيد منها جميع التجار والشركات التجارية.
فإذا كانت مسطرة الوقاية
الداخلية تستفيد منها فقط الشركات التجارية والمجموعات ذات النفع الاقتصادي ذات
الغرض التجاري، فإن مسطرة الوقاية الخارجية يستفيد منها بالإضافة إلى ما سبق
الأشخاص الذاتيين التجار الذين يمكن أن تواجههم صعوبات أو وقائع من شأنها أن تخل باستمرارية
نشاطهم مما قد يؤدي إلى التوقف عن الدفع[43].
وفي هذا الصدد نصت المادة 549 م.ت في فقرتها
الأولى على ما يلي: "تفتح مسطرة الوقاية الخارجية أمام رئيس المحكمة أو كلما
تبين له من كل عقد أو وثيقة أو إجراء أن مقاولة،دون أن تكون في وضعية التوقف عن
الدفع، تعاني من صعوبات قانونية أو اقتصادية أو مالية أو اجتماعية أو لها حاجيات
لا يمكن تغطيتها بواسطة تمويل يناسب إمكانات المقاولة"، وبالتالي كيفما كان
شكل المقاولة بصرف النظر عن غرضها باستثناء شركة المحاصة التي لا تخضع لمسطرة
الوقاية الخارجية ما لم يكن غرضها تجاريا[44].
كما تشمل هذه المسطرة
المقاولات المملوكة على الشياع ولو لم تتخذ شكل شركة سواء كانت مقاولة فردية أو
جماعية، شريطة أن تكون مقاولة تجارية، كما تطبق على المجموعات ذات النفع الاقتصادي
التجارية أما بالنسبة للشركات والمقاولات العمومية فهي لا تخضع للوقاية الخارجية
لأنها تقع تحت الوصاية الإدارية للدولة.[45]
ثانيا: شروط تطبيق مسطرة
الوقاية الخارجية
يتعين أن تتوفر في المقاولات
الخاضعة لمسطرة الوقاية الخارجية حسب المادة 549 م.ت مجموعة من الشروط:
أن تكون المقاولات المعنية تواجه صعوبات من شأنها أن تخل
باستمرارية استغلالها و تؤدي بها إلى
التوقف عن أداء ديونها، هذه الصعوبات التي يتبينها
رئيس المحكمة التجارية، من خلال التقرير الذي قد يعرض عليه من قبل مراقب الحسابات، أو أحد الشركاء في
الشركة على إثر فشل تطبيق مسطرة الوقاية الداخلية، أو بناء على طلب من قبل رئيس
المقاولة، أو تلقائيا من رئيس المحكمة إذا ما تبين له أو اكتشف من خلال العمل الذي
يمارسه يوميا أن مقاولة ما تعاني من صعوبات دون أن يخبره بذلك رئيسها أو مراقب
حساباتها أو الشريك وذلك من خلال الوثائق التي يقدمها دائنو المقاولة، بما فيها
الحجوز التي يطلبون إيقاعها على الأصل التجاري للمقاولة[46]، أو على منقولاتها بصفة عامة، أو من تلك
الدعاوي، أو الأحكام الصادرة في مواجهة المقاولة، خصوصا تلك التي لم يتم
تنفيذها بعد، أو من خلال احتجاجات العمال المطالبين بالحصول على أجورهم، أو من
خلال الشيكات التي لم تؤدى لعدم وجود رصيد، أو الكمبيالات الراجعة بدون أداء،
والتي تكون محلا للمطالبة بالوفاء بها من خلال دعاوي وشكايات أو مساطر الأمر
بالأداء، فمن خلال هذه الأمور وغيرها يستطيع رئيس المحكمة التجارية أن يتبين بأن
المقاولة توجد في وضعية صعبة."[47]
1- يتعين تحريك الإجراءات المخولة القيام بها لأجل
تفادي توقف المقاولة عن أداء ديونها الحالة.
2- أن لا تكون المقاولة متوقفة عن سداد ديونها،لأن
التوقف عن دفع الديون ينقلها من مساطر الوقاية من الصعوبات إلى المساطر القضائية
طبقا للفقرة الأولى من المادة 549 من مدونة التجارة والتي جاء فيها
"...مقاولة تجارية دون أن تكون في وضعية التوقف عن الدفع".
المطلب الثاني: مسطرة المصالحة لتفادي التوقف عن الدفع
تعد
مسطرة المصالحة من مساطر الوقاية الخارجية المحركة من قبل الأجهزة الخارجية عن
المقاولة وكانت تسمى في الكتاب الخامس المنسوخ من مدونة التجارة المغربية بمسطرة
التسوية الودية، وقد كان الهدف من وراء استبدال مصطلح "التسوية الودية"
بمصطلح "المصالحة" هو رفع اللبس وعدم الخلط بين مسطرة المصالحة ومسطرة
التسوية القضائية.
وتستهدف مسطرة المصالحة إبرام
اتفاق ودي بواسطة المصالح والذي يتم تعيينه من طرف رئيس المحكمة التجارية لإجراء
مفاوضات توفيقية بين رئيس المقاولة والدائنين من أجل إنقاذ المقاولة من الصعوبات
التي تواجهها وتوفير الأموال اللازمة التي من شأنها الاستجابة لحاجاتها التمويلية
حسب نص المادة 551 من مدونة التجارة. تعتبر المصالحة من صميم اختصاصات رئيس المحكمة التجارية في إطار اختصاصاته
العامة حول المساطر شبه القضائية لمعالجة صعوبات المقاولة[48]،
وعليه سنقف على شروط فتح مسطرة المصالحة وكيفية تعيين المصالح ومهامه،(الفقرة
الأولى) إبرام المصالح للمصالحة وآثارها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: شروط فتح مسطرة المصالحة وتعيين المصالح
ويكتسي الدور القضائي لرئيس
المحكمة التجارية في فتح مسطرة المصالحة أهمية كبرى بحيث يبقى هو الجهة الوحيدة
المختصة للبت في طلب فتحها، وذلك بعد التأكد من توافر الشروط الخاصة بفتح المسطرة
(أولا)، إضافة لتعيينه المصالح الذي يعهد إليه بمهمة المصالحة (ثانيا).
أولا: شروط فتح مسطرة
المصالحة
وانطلاقا
من المادة 551 تنقسم هذه الشروط إلى شروط موضوعية وأخرى شكلية
1- الشروط الموضوعية
تنص المادة 551 من م.ت على ما
يلي:"تفتح مسطرة المصالحة أمام كل مقاولة،من دون أن تكون في وضعية التوقف عن
الدفع، تعاني من صعوبات اقتصادية أو مالية أو لها حاجات لا يمكن تغطيتها بواسطة
تمويل يناسب إمكانياتها". من خلال هذه المادة يتضح بأن
ثمة شروط أساسية يتعين توافرها لأجل فتح مسطرة المصالحة منها ما يتعلق بالصفة
التجارية للمقاولة (أولا)، ومنها ما يتعلق بذمتها المالية (ثانيا)،إضافة إلى عدم
توقفها عن الدفع(ثالثا).
أ-
طبيعة المقاولة
تطبق مسطرة المصالحة على المقاولة (المادة 551
م.ت) بصرف النظر عما إذا كانت مقاولة تجارية/فردية أو جماعية مملوكة على الشياع،
واتخذت شكل شركة تضامن أو شركة مساهمة أو شركة توصية بسيطة أو شركة التوصية
بالأسهم، باعتبارها شركات تجارية من حيث الشكل وبصرف النظر عن الغرض أو النشاط
سواء كان نشاطا تجاريا أو مدنيا (المادة 2 من القانون رقم 5/95 والمادة 1 من
القانون رقم 17/95).[49] تستفيد
المقاولة التجارية من مسطرة المصالحة، سواء كانت مقاولة وطنية أو أجنبية، عاملة في
بلادنا أو خارجه، أما المشرع الفرنسي فقد وسع من مسطرة التسوية الودية، لتشمل
إضافة إلى المقاولة التجارية وكذا الحرفية، الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون
الخاص[50]،
بمقتضى المادة 1/35 من القانون 10 يونيو 1994، وقد استثنى من الاستفادة بهذه
المسطرة المقاولات الفردية الفلاحية التي تخضع لنظام خاص (قانون 30 دجنبر 1988).
ثانيا: الوضعية المادية
للمقاولة:
تلجأ المقاولة التجارية في
حالة عدم توقفها عن الدفع إلى مسطرة المصالحة، في حالتين أساسيتين:
الحالة الأولى: تذليل صعوبات
المقاولة بالمصالحة
حيث تلجأ المقاولة التجارية
إلى طلب فتح مسطرة المصالحة، إذا كانت المقاولة تعاني من صعوبات يمكن تذليلها عن
طريق مسطرة المصالحة، خصوصا إذا ما كانت تعاني من صعوبات مالية أو اقتصادية دونما
أن تكون متوقفة عن دفع ديونها[51].
فالصعوبات الاقتصادية
والمالية تتمثل عادة في ارتفاع المصاريف أو نقص الرأسمال نتيجة تقهقر النقود
المتداولة، أو الهلاك الكلي أو الجزئي لرأسمال المقاولة، وهي نفس الصعوبات التي نص
عليها المشرع الفرنسي، وبالتالي فإن مسطرة المصالحة تكون مطلوبة في الحالة التي
تكون فيها المقاولة، مدركة أن ثمة وقائع أو ظروف من شأنها أن تجعلها لا تستطيع
أداء ديونها، إلا إذا تم التغلب على الصعوبات المالية أو الاقتصادية[52]، وأن
التغلب عليها أو تفاديها لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إجراء المصالحة وهو ما
يستدعي ضرورة تدخل القضاء لتعيين الشخص المصالح ليتولى عملية التواصل والحوار
والتقريب بين وجهات النظر للطرفين المدين
والدائن وبالتالي مصالحة الجهات المعنية.
الحالة الثانية:الحاجة إلى الأموال الملائمة لتمويل
مشاريع المقاولة
عادة ما تكون المقاولة
بحاجة إلى أموال لتمويل مشاريع مستقبلية،
أو لتوسيع أنشطتها مما ينعكس إيجابا على الاقتصاد والشغل، واستمرارية المقاولة في
مزاولة نشاطها واستغلالها، وبالتالي استيفاء الدائنين لديونهم في تاريخ استحقاقها
باعتبار ما تملكه من أموال غير كافية لتنفيذ تلك المشاريع والأنشطة، وعادة ما
تتمثل تلك المشاريع الجديدة في شراء أجهزة أو تحديث المقاولة،أو توظيف تقنيات أو
خبراء[53].
وقد تفرض هذه الأوضاع الجديدة على المقاولة طلب
فتح حوار وتواصل يتولاه المصالح مع الدائنين قصد الوصول إلى اتفاق للمصالحة، كأن
يتم الاتفاق على تأجيل تاريخ استحقاق الديون أو التخفيض منها أو الاثنين معا[54]، وهو
ما من شأنه أن يمنح الفرصة للمقاولة بإمكانية طلب الحصول على تمويل جديد أو قروض
جديدة لتمويل مشاريعها التي ستمكنها من مواجهة الوقائع والظروف وبالتالي التغلب
عليها وتفادي الصعوبات التي ستهدد مستقبلها[55].
ثالثا: عدم توقف المقاولة عن سداد ديونها المستحقة:
مما لا شك فيه أن فتح مسطرة
المصالحة لا تعني المقاولات التي توقفت عن دفع ديونها وإنما وضعت إجراءات هذه
المسطرة لفائدة مقاولة غير متوقفة عن الدفع وتعاني من صعوبات ذات علاقة بالجانب
الاقتصادي أو المالي أو لها حاجيات لا يمكن تغطيتها بالاعتماد على مجرد تمويل يناسب
إمكانياتها، وهذا ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة 551 م.ت: "تفتح مسطرة
المصالحة أمام كل مقاولة دون أن تكون في وضعية التوقف عن الدفع، تعاني من صعوبات
اقتصادية أو مالية أو لها حاجيات لا يمكن تغطيتها بواسطة تمويل يناسب
إمكانياتها".
الفقرة الثانية: الشروط
الشكلية لمسطرة المصالحة وتعيين المصالح
أحاط
المشرع المغربي مسطرة المصالحة بشروط شكلية لا غنى عنها لبلورة وإنجاز هذه
المسطرة، سواء ما تعلق منها بالشخص الذي يملك حق طلب فتح مسطرة المصالحة (أولا) أو
الجهة القضائية المختصة لفتح إجراءاتها (ثانيا)، وفي حالة فتح المسطرة يعمد رئيس
المحكمة التجارية إلى تعيين مصالح (ثالثا).
أولا: الشخص طالب المصالحة
يرجع حق طلب فتح مسطرة
المصالحة إلى رئيس المقاولة وحده دون غيره، إذ يملك هذا الأخير حرية اختيار هذه
المسطرة التي تعتبر عملا من أعمال الإدارة[56]،
وطبقا للفقرة الثانية من المادة 551 التي تشترط على رئيس المقاولة متى اختار سلوك
هذه المسطرة، أن يعرض في الطلب بالإضافة إلى الوثائق الخاصة بالمقاولة ضرورة تعيين
وتبيان وضعيتها المالية والاقتصادية والاقتراحات الخاصة وأن يكون الطلب مكتوبا وأن
يتضمن تحديد الآجال المطلوبة، ونسبة تخفيضات الديون التي يرغب في الحصول عليها[57].
ثانيا: تعيين المصالح
استدعاء
رئيس المقاولة: يستدعي رئيس المحكمة رئيس المقاولة للاستماع إليه،
إذا ما تم إبلاغه من طرف مراقب الحسابات أو رئيس المقاولة نفسه بأن ثمة صعوبات
وإخلالات ظهرت بالمقاولة أو أن مسطرة
الوقاية الداخلية لم تؤدي إلى نتيجة، أو وصل
إلى علمه أن المقاولة تواجه صعوبات تهدد استمرارية استغلالها بوسائل أخرى،
وهذا الإجراء المسطري نصت عليه مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 549 من م.ت[58]. ويعتبر
تعيين المصالح من قبل رئيس المحكمة إعلانا عن بداية الإجراءات الخاصة بمسطرة
المصالحة، إذ تتلازم هذه الأخيرة بتعيين الوكيل الخاص كتوطئة لتعيين المصالح، لكن
تعيين الأول ليس من مستلزمات ومتطلبات المصالحة.
فقد يعمد أحيانا رئيس المحكمة
مباشرة إلى تعيين المصالح دون الصلة إلى تعيين الوكيل الخاص كلما ارتأى أن ظروف
إبرام المصالحة مواتية حيث يعتبر ذلك من باب اختصار عامل الزمن وتحصين أصول
المقاولة عبر تجنبها أتعاب ومصاريف تعيين الوكيل الخاص، وذلك بناء على اقتراحات
رئيس المقاولة من خلال طلبه والاستماع ومن خلال ذلك يتبين له تصحيح وضعية المقاولة[59].
وبناء على ذلك يقرر رئيس المحكمة فتح مسطرة
المصالحة وتعيين المصالح مع تحديد المدة التي سيتولى فيها المصالح القيام بمهمته
في 3 أشهر قابلة للتمديد لمرة واحدة على الأكثر، (وقد يكون هذا الأخير تاجرا كما
قد يكون خبيرا) وما يلاحظ في هذا الصدد أن المدة تمت مضاعفتها حسب المادة 553 وفقا
للتعديل الأخير، لأن المسطرة تهم رئيس المقاولة والدائنين وهو ما يتطلب الاستجابة
لتمديدها لأجل المصالحة، خصوصا إذا كانت هناك بوادر تفيد بإمكانية نجاح مسطرة
المصالحة، وتعد هذه المدة تعد من النظام العام فلا يجوز مخالفتها. ومعلوم أن مهمة المصالح
البحث عن حلول لتفادي توقف المقاولة عن الدفع وهي مهمة تتطلب توفر المصالح على
خبرة تمكنه من التفاوض مع الدائنين للانخراط في مسطرة المصالحة والتغلب عن
الصعوبات التي تعترض المقاولة، ونظرا لغياب الإشارة إلى أتعاب وتعويضات المصالح
فإن أمر تقرير تعويضات المصالح تبقى من سلطات رئيس المحكمة بعد استشارة وموافقة
رئيس المقاولة على ذلك[60].
ولم يخضع القانون قرار تعيين
المصالح لأي إجراءات شكلية، كما أن قرار التعيين لا يتم شهره وذلك حفاظا على سرية
المسطرة التي نصت عليها المادة 549 من المدونة في فقرتها الأخيرة[61]. وقرار
تعيينه لا يقبل الطعن في التشريع المغربي لأن هذا التعيين يخضع للسلطة التقديرية
لرئيس المحكمة التجارية إلا أن من حق رئيس المقاولة التجريح في هذا التعيين
والمطالبة باستبدال المصالح.
[1] محمد إبراهيم موسى،
التحكيم الإلكتروني، مؤتمر التحكيم التجاري الدولي، أهم الحلول البديلة لحل
المنازعات التجارية، كلية الشريعة والقانون، دبي،28ـ 30 افريل2008، ص69.
[2] محمد إبراهيم ابو
الهيجاء، التحكيم بواسطة الأنترنت، دار الثقافة، االردان،2002، ص: 57.
[3] الياس ناصف، العقد
الإلكتروني، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2009، ص:24.
[4] حايت أمال، التحكيم عبر
الأنترنت، الملتقى الدولي حول التحكيم التجاري الدولي في الجزائر، ج2، بجاية،
الجزائر14ـ 15يونيو 2015، ص:51..
[5] الأحدب عبد الحميد،
إجراءات التحكيم، مؤتمر التحكيم التجاري الدولي، أهم الحلول البديلة لحل المنازعات
التجارية، كلية الشريعة والقانون، دبي، أيام 28ـ30 ابريل 2008، ص39.
[6] عبد المطلب بدوي التحكيم
الإلكتروني كوسيلة لتسوية منازعات التجارة الإلكترونية، مجلة العلوم القانونية
والاقتصادية، العدد الأول، مصر/2006، ص:16.
[7] عبد الحميد ثروث، التوقيع
الإلكتروني ماهيته وكيفية مواجهتها، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية 2007، ص:59.
[8] عدنان إبراهيم سرحان،
أسماء النطاق على شبكة العالمية للمعلوماتية الأنترنت " المفهوم والنظام
القانوني دراسة مقارنة"، مجلة الشريعة والقانون، جامعة الإمارات العربية
المتحدة، العدد 25 ،2006، ص 367.
[9] زروق يوسف، حجية وسائل
الإثبات الحديثة، رسالة مقدمة لنيل شهادة دكتواره في القانون الخاص، جامعة أبو بكر
بلقاسم، تلمسان،2012، ص:26.
[10] سامي عبد الباقي أبو
صالح، التحكيم التجاري الإلكتروني، دار النهضة العربية، القاهرة،2004، ص: 45.
[11] ظهير شريف رقم 129-07-1 صادر في 19 من ذي القعدة
1428(30 نوفمبر 2007) بتنفيذ القانون رقم 05-53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني
للمعطيات القانونية.
[12] لورنس محمد عبيدات، أثبات
المحرر الإلكتروني، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2009، ص: 78.
[13] عبد الحميد ثروث، التوقيع
الالكتروني ماهيته وكيفية مواجهتها، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية،2007، ص98.
[14] ـ أحمد مخلوف، اتفاق
التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية، دار النهضة العربية،
القاهرة، 2001.ص: 19.
[15] أمين محمد الرومي، النظام
القانوني للتحكيم الإلكتروني، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2006، ص:75.
[16] هند عبد القادر
سليمان، دور التحكيم الإلكتروني في حل منازعات التجارة الإلكترونية، المؤتمر
المغاربي الأول حول المعلوماتية والقانون، أكاديمية الدارسات العليا ليبيا، ص15.
[17] محمد محمود محمد جبران
التحكيم الالكتروني كوسيلة لحل منازعات التجارة الالكترونية، أطروحة لنيل درجة
الماجستير، في القانون الخاص، جامعة الشرق الأوسط عمان 2009 ص: 29
[18] عصام عبد الفتاح مطر،
التحكيم الإلكتروني، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، ص 222.
[19]-فيقيالتاجر من
الإفلاس وآثاره ويقي الدائنين الإجراءات الطويلة للإفلاس والتكاليف الباهظة التي
قد تتطلبها، وبهذا النظام يبقى التاجر على رأس نشاطه التجاري، الأمر الذي يجعل
فرصة الوفاء أكبر، وقد أخذ بنظام الصلح الواقي من الإفلاس قانون التجارة الأردني
وخصص له الباب الأول من الكتاب الرابع منه في المواد من 290 إلى 315....
[20]- أحمد شكري السباعي، الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات
التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها، م.س، ص: 119.
[21]- نشأت الأخرس، "الصلح الواقي من الإفلاس – دراسة مقارنة
في القوانين الأردنية والمصرية واللبنانية والتونسية والقانون البريطاني -»،
الطبعة الأولى، 2009، دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان، ص 6 و7.
[22]- أيوب مستغفر وطارق هاشمي، الرقابة القضائية على إجراءات فتح
مسطرة التسوية الودية، مجلة القانون والأعمال، عدد خاص بمساطر صعوبات المقاولة،
2017، ص: 196.
[23]- لم يعرف نظام المساطر الجماعية المغربي، منذ بداية العمل
بالقانون التجاري لسنة 1913 إلى غاية دخول مقتضيات الكتاب الخامس من مدونة التجارة
لسنة 1996 حيز التطبيق، إلا نوعا معينا من الصعوبات يتمثل في التوقف عن الدفع الذي
يبرز بحسب الموقف الذي يتخذه المدين إما فتح مسطرة التصفية القضائية وإما شهر
الإفلاس كوسيلة للتصدي للوضع المالي الذي أصبح فيه المدين المعني بالأمر بفعل
توقفه عن أداء ديونه.
[24]- - محمد لفروجي،
كتلة الدائنين في الإفلاس في ضوء القانون المغربي، رسالة دبلوم الدراسات العليا في
القانون الخاص، الدار البيضاء، 1993، ص: 152.
[25]- تنص المادة 546 من مدونة التجارة على أنه يبلغ مراقب
الحسابات إن وجد، أو أي شريك في الشركة لرئيس المقاولة الوقائع التي من شأنها
الإخلال باستمرارية استغلالها داخل ثمانية أيام من اكتشافه لها، برسالة مضمونة مع
الإشعار بالتوصل يدعوه فيها إلى تصحيح ذلك الإخلال...".
- وتنص المادة 574 من المدونة المحال عليها في المادة 584 من نفس المدونة
على أنه:" في حالة عدم تداول الجمعية العامة في الموضوع أو إذا أن
الاستمرارية ما زالت مختلة رغم القرار المتخذ من طرف الجمعية العامة، أخبر رئيس
المحكمة بذلك من طرف المراقب أو رئيس المقاولة".
كما تنص الفقرة الأولى من المادة 548 على أنه: " يستدعي رئيس
المقاولة، في الحالة المنصوص عليها في المادة 547 أو في الحالة التي يتبين من كل
عقد أو وثيقة أو إجراء أن شركة تجارية أو مقاولة فردية تجارية أو حرفية تواجه
صعوبات من شأنها أن تخل باستمرارية استغلالها، قصد النظر بالإجراءات الكفيلة
بتصحيح الوضعية".
[26]- القانون رقم 95-15 المتعلق بشركات
المساهمة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 124. 96. 1 بتاريخ 30 غشت 1996
والمنشور بالجريدة الرسمية عدد ،4422 بتاريخ 4 جمادى الآخرة 1417، 17 أكتوبر 1996، ص: 2320.
[27]- الحسن الكاسم، "قانون مساطر صعوبات المقاولة الجديد
ودوره في حماية الاستثمار والمقاولة، م.س.
[28]- حنان البكوري، صعوبات المقاولة، م.س،ص: 20.
[29]- نور الدين لعرج، مساطر صعوبات المقاولة، مطبعة سيلكي اخوان،
الطبعة الأولى، 2016.
[30]- زكرياء العماري: "التسوية الودية كآلية للوقاية من
صعوبات المقاولة"، م.س، ص: 145.
[31]- تنص المادة 80 من القانون 5.96 بأنه: " يمكن للشركاء تعيين واحد
أو أكثر من مراقبي الحسابات وفق الشروط المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة
75.
غير أن الشركات ذات المسؤولية
المحدودة التي تتجاوز، عند اختتام السنة المحاسبية، خمسين مليون درهم لمبلغ رقم
معاملاتها دون اعتبار الضرائب تلزم بتعيين مراقب للحسابات.
يمكن لشريك أو عدة شركاء يمثلون على الأقل ربع رأس المال، حتى ولو يتم
بلوغ مستوى رقم المعاملات المذكور في الفقرة السابقة، أن يطلبوا من رئيس المحكمة
بصفته قاضي المستعجلات، تعيين مراقب للحسابات."
[32]- عبد الرحيم
القريشي، تدابير الوقاية من صعوبات المقاولة بين التشريع والتطبيق، مطبعة دار
أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة: 2، 2007، ص: 56.
[33]- زكرياء
العماري: "التسوية الودية كآلية للوقاية من صعوبات المقاولة، م.س، ص: 122.
[34]-هناك العديد من
صور الإخلال التي تطال المسيرين المترتبة عنها جزاءات جنائية ومدنية ومهنية من
بينها: أن يتخلى المسيرون لشركة عن جزء من ديون هذه الشركة لصالح شركة أخرى هم
مساهمون فيها و مشرفون على تسييرها أو يبرمون عقد كراء عقاراتها وآلاتها
وتجهيزاتها لهذه الشركة بمبلغ كراء رمزي،وأيضا يمكن أن يختلس الرئيس لأموال
المقاولة وذلك بفتحه حسابات بنكية بالخارج ويعطي الأوامر للزبناء الأجانب بتحويل
مداخيل المقاولة الأولى إلى هاته الحسابات
مما يشكل إضرارا بحقوق الدائنين أولا يستثمر عائدات حصل عليها من عملية تفويت
أموال الشركة لفائدتها.
عبد العالي العضراوي، المسؤولية المدنية
والمهنية والجنائية لمسيري ومتصرفي المقاولات في حالة تعرضها للصعوبات، مطبعة
فضالة المحمدية، الطبعة الأولى، السنة 2005،ص: 20 و21.
[35]- نورالدين لعرج،
مساطر صعوبات المقاولة، م. س، ص: 30.
[36]- عبد الرحيم
القريشي، تدابير الوقاية من صعوبات المقاولة م. س، ص: 55.
[37]- عبد اللطيف الشنتوف، دور رئيس المحكمة التجارية في
الوقاية،م.س،ص: 22.
[38]- عبد الرحيم
القريشي، تدابير الوقاية من صعوبات المقاولة م.س، ص: 57.
[39]- محمد السرغيني، التوقف عن الدفع من خلال العمل القضائي في
نظام صعوبات المقاولة، م.س، ص: 134.
[40]- التي تنص على: " يدعى مراقب أو مراقبو الحسابات إلى
حضور اجتماع مجلس الإدارة أو مجلس الإدارة الجماعية الذي يحصر حسابات السنة
المالية المنصرمة، كما يدعون إلى حضور كل جمعيات المساهمين.
[41]- عبد اللطيف الشنتوف، دور رئيس المحكمة التجارية،م.س،ص:36.
[42]- تسمى هذه المساطر الحديثة بمساطر
الوقاية الخارجية لأن الأطراف الفاعلة التي تحركها وتسيرها وتساهم في تحقيق
أهدافها لاتمث إلى الأجهزة الداخلية للمقاولة بصلة، أو بمعنى آخر، إن أجهزة هذه
المسطرة خارجة عن المحيط الداخلي للمقاولة، ويتبين من استعراض أعضاء هذه الأجهزة
وهم رئيس المحكمة التجارية (المادة 548)، والوكيل الخاص (المادة 549) والمصالح
(المواد 553 إلى (555) والدائنون (المادتان 556 و 557) إلى جانب رئيس المقاولة
المعني الأول بهذه المسطرة.
[43]- محمد كرام،
الوجيز في مساطر صعوبات المقاولة في التشريع المغربي، ج I، المطبعة والوراق الوطنية،مراكش، ط: 1، 2010، ص: 18.
[44]عبد الرحيم القريشي،
تدابير الوقاية من صعوبات المقاولة،م.س،ص: 43.
[45]- عبد اللطيف
الشنتوف، دور رئيس المحكمة التجارية في الوقاية،م.س، ص: 23.
[46]- محمد كرام،
الوجيز في مساطر صعوبات المقاولة في التشريع المغربي، م.س، ص:23.
[47]- علال فالي،
مساطر معالجة صعوبات المقاولة، مطبعة دار السلام، الطبعة 2012، ص: 30.
[48]- علال فالي، مساطر معالجة صعوبات المقاولة، م.س، ص: 50.
[49]أحمد شكري السباعي:
"الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها،
الجزء الأول، م.س، ص: 158.
[50]- احمد شكري السباعي، الجزء الأول، المرجع السابق ص: 191.
[51]- علال فالي، مساطر معالجة صعوبات المقاولة، مطبعة دار السلام،
الطبعة 2012، ص: 22.
[52]- نور الدين لعرج، قانون صعوبات المقاولة المرحلة السابقة
للتوقف عن الدفع، المرحلة اللاحقة للتوقف عن الدفع،الطبعة الثانية، مطبعة سليكي
إخوان طنجة، سنة 2011، ص: 37.
[53] - أخياظ محمد، صعوبات المقاولة، م.س، ص:51.
[54]- من بينهم عبد الرحيم القريشي، " تدابير الوقاية من
صعوبات المقاولة... ،م.س.،ص. 42
[55]- عمار حبيب بهلول، "النظام القانوني لحوكمة
الشركات"، م.س، ص: 129.
[56]- نور الدين لعرج، قانون صعوبات المقاولة المرحلة السابقة
للتوقف عن الدفع، المرحلة اللاحقة للتوقف عن الدفع،الطبعة الثانية، مطبعة سليكي
إخوان طنجة، سنة 2011، ص: 63.
[57]- نور الدين لعرج، قانون صعوبات المقاولة المرحلة السابقة
للتوقف عن الدفع، المرحلة اللاحقة للتوقف عن الدفع،الطبعة الثانية، مطبعة سليكي
إخوان طنجة، سنة 2011، ، ص: 68.
[58]- حيث جاء في فقرتها الثانية أنه: " يستدعي رئيس المحكمة فورا
إلى مكتبه، رئيس المقاولة إما تلقائيا أو بناء على طلب من هذا الأخير يعرض فيه
نوعية الصعوبات التي من شأنها أن تخل باستمرارية الاستغلال وكذا وسائل مواجهتها،
وذلك قصد تقديم توضيحاته في الموضوع والنظر في الإجراءات الكفيلة بتصحيح وضعية
المقاولة."
[59]- عبد الرحيم
القريشي، تدابير الوقاية من صعوبات المقاولة، م.س، ص: 61.
[60]- كمال دزاز، قراءة في مشروع نظام صعوبات المقتولة- إجراءات
الوقاية الداخلية نموذجا، م.س، ص: 137.
من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله