حماية المستهلك في التجارة الإلكترونية "أي ضمانات"؟ - زمزم هشام


حماية المستهلك في التجارة الإلكترونية "أي ضمانات"؟

Consumer protection in e-commerce "any guarantees"?

زمزم هشام / أستاذ باحث بالكلية متعددة التخصصات تازة -تخصص قانون الأعمال-.

Zamzam hisham



 

إن التطور الكبير في التكنولوجيا ووسائل الاتصال تمخض عنه تأثير كبير على النظام القانوني للعقود التقليدية، مما أدى إلى ظهور أنماط حديثة من التعاملات على المستوى الإلكتروني وعلى رأسها معاملات التجارة الإلكترونية، التي تبرز خصوصياتها بالأساس في العالم الافتراضي، الذي تتم من خلاله، وفي غياب الحضور المادي لأطراف العقد.

وتعرف التجارة الإلكترونية أو التجارة عبر الحاسوب بأنها: " تنفيذ كل ما يتصل بعمليات شراء، وبيع البضائع والخدمات والمعلومات عبر شبكة الانترنيت، والشبكات التجارية الأخرى[1]. وهي: " نظام يتيح عبر الانترنيت حركات بيع وشراء السلع، والخدمات والمعلومات، كما يتيح أيضا الحركة الإلكترونية التي تدعم توليد العائدات، قبل عمليات تعزيز الطلب على تلك السلع والخدمات والمعلومات، حيث تتيح عبر الانترنيت عمليات دعم المبيعات وخدمة العملاء.

الأمر الذي جعل هذا النوع من التجارة يحظى بإقبال كبير من قبل المستهلكين الذين يفضلون الإبحار والولوج لهذه الشبكة، وهذا ما أدى إلى ظهور نوع جديد من المستهلكين بالإضافة إلى المستهلك العادي، ألا وهو المستهلك الالكتروني.

وسواء تعلق الأمر بالنوع الأول أو الثاني، فهو دائما يأخذ موقع الطرف الضعيف في العلاقات التعاقدية مقارنة بالتاجر "المورد الإلكتروني"[2] الذي يتعاقد معه، باعتبار هذا الأخير هو الطرف الأقوى لأنه يستطيع إتقان آليات ممارسة التجارة الإلكترونية بشكل محترف على الموقع.

ويقصد بالمستهلك الإلكتروني في ظل سكوت المشرع المغربي عن إعطاء تعريف له[3]، في إطار أحكام الباب الثاني المنظم للعقود المبرمة عن بعد، من القانون رقم 31.08: "هو كل من يقوم باستعمال السلع أو الخدمات لإشباع حاجياته أو حاجيات من يعولهم، ولا يهدف إلى إعادة بيعها او تحويلها إلى نشاطه المهني، مع قيام التعاقد بشأن تلك السلع أو الخدمات بالوسائل الالكترونية الحديثة".

وقد عمل المشرع المغربي على تأطير ضمانات حماية المستهلك الالكتروني بأحكام قانونية جاءت في الباب الثاني من القانون رقم 31.08[4] ذلك بمقتضى المواد من 25 إلى 44 وأيضا المواد من 65 إلى 68 وغيرها من المواد المتناثرة في هذا القانون، إضافة إلى القانون رقم 53.05[5] المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية والقانون 09.08[6] المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، ثم القانون رقم 83.13[7] المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع إضافة إلى بعض مقتضيات القانون الجنائي. ومما لا شك فيه أن حماية المستهلك في التعاقد الالكتروني وضمان هذه الحماية هو ما يساهم في تشجيعه على الاقتناء بواسطة الوسائل الالكترونية وبالتالي تمكين الشركات الكبيرة والمتوسطة الممارسة للتجارة الالكترونية من تحقيق الرباح وتطوير الاقتصاد الوطني.

ويكمن الإشكال الأساسي للبحث في معرفة ما مدى فعالية الضمانات التي خولها المشرع المغربي للمستهلك الالكتروني لضمان حمايته في مجال التجارة الالكترونية؟ وما دور الالتزام بالإعلام الالكتروني قبل التعاقد في حماية المستهلك الالكتروني؟ وما هي الحقوق والضمانات التي يتمتع بها المستهلك في جميع مراحل التعاقد الالكتروني بدءا من مرحلة المفاوضات، مرورا بمرحلة إبرام العقد، وصولا إلى مرحلة تنفيذ الأطراف لالتزاماتهم التعاقدية؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات ارتأينا تقسيم هذا البحث إلى مبحثين أساسيين: 

المبحث الأول: ضمانات حماية المستهلك الالكتروني قبل وأثناء المرحلة التعاقدية.

المبحث الثاني: ضمانات حماية المستهلك الالكتروني في مرحلة تنفيذ العقد.

 

المبحث الأول: ضمانات حماية المستهلك الالكتروني قبل وأثناء المرحلة التعاقدية.

إن المستهلك الالكتروني يستفيد من مجموعة من النصوص القانونية التي تحميه باعتباره الطرف الضعيف في عقود التجارة الالكترونية، وهذه المقتضيات تهم حماية المستهلك الالكتروني من تعسف البائع الالكتروني خلال المرحلة القبلية للعقد (المطلب الأول) وكذا حمايته أثناء إبرام العقد الإلكتروني (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الحماية القانونية القبلية للمستهلك في العقود الالكترونية.

إن التعاقد الذي يحصل خارج نطاق الاحتراف بأن يكون أحد المتعاقدين محترفا والآخر مستهلكا عاديا لا علاقة له بأصول الحرفة محل التعاقد فإن الضرورة تفرض إعلام هذا الأخير وتنوير بصيرته قبل مرحلة التعاقد، حينها تتحقق العدالة العقدية وخاصة العقد الالكتروني. والحق في الإعلام الإلكتروني هو ذلك الالتزام الذي يقع على عاتق التاجر الالكتروني والذي بمقتضاه يعلم ويبصر المستهلك بالمعلومات الجوهرية المتعلقة بالعقد، عن طريق الوسائط الالكترونية، والتي يتخذ المستهلك بناء عليها قراره بتمام التعاقد أو الانصراف عليه.

وبذلك يكون المورد مطالبا بإعلام المستهلك قبل إبرام العقد بالمميزات الأساسية للمنتوج أو السلعة أو الخدمة وكذا بنوع البيع المراد إبرامه، هل يتعلق الأمر بعقد ببيع عادي، أم بعقد بيع الكتروني وبالرجوع إلى المادتين 29 و30[8] من القانون رقم 08-31 يتبين ان المشرع المغربي قد أقر على غرار باقي التشريعات الحق في الإعلام لتمكين المستهلك من معرفة الالتزامات الخاصة بالطرف الآخر، والإحاطة بجوانبها القانونية والمادية، كما تمكن كل متعاقد من تقدير مضمون الالتزامات التي يتحملها مع مراعاة الوسائل الحديثة التي أنتجت مستهلك غير عادي يتخذ من وسائل الاتصال الالكترونية أساسا لتعاقداته[9].

ويعد الإشهار الالكتروني أداة للتعريف بالمنتجات ومدى قدرتها على الوفاء بحاجات المستهلك إلا أن المورد الالكتروني قد يلجأ إلى أساليب الكذب والخداع والتضليل قصد حمل المستهلك الالكتروني على التعاقد دون مراعاة مصلحته الشخصية لذلك نصت المادة 21 من القانون رقم 31.08 على أنه:

".... يمنع كل إشهار يتضمن بأي شكل من الأشكال ادعاء أو عرضا أو بيانا كاذبا".

ومن خلال مقتضيات هذه المادة يتبين أن المشرع قد منع الإشهار الكاذب الذي يتضمن معلومات غير صحيحة في الدعاية للمنتوجات إما كلا أو جزءا مما قد يؤدي إلى تضليل المستهلك وبالتالي حجب الحقيقة وإيقاع المستهلك في الغلط كلما تعلق الأمر بمعلومات أساسية تحسم بشكل كبير أمر تعاقدهم[10].

وبالرجوع إلى القانون رقم 08-09 نجد قد سن مجموعة من المقتضيات الهادفة إلى حماية المعطيات الشخصية للمستهلك الالكتروني تتمثل بالأساس في الحق في الإعلام المسبق بتجميع ومعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي والحق في الاعتراض على ذلك، والحق في الوصول إلى البيانات الشخصية التي يقوم موقع التجارة الالكترونية بتجميعها ومعالجتها والحق في تعديلها. وذلك من خلال احترام الإجراءات الأولية لأي عملية معالجة، وتجميع البيانات بوسائل نزيهة ومشروعة والالتزام باحترام الغرض المحدد من المعالجة والامتناع عن حفظ البيانات الشخصية خارج المجال المسموح به، والالتزام بأمن وسرية هذه المعطيات[11].

واستنادا إلى المادة 10 من القانون 08-09 نجدها منعت إرسال بريد إلكتروني دعائي دون الموافقة المسبقة للمستهلك الالكتروني. حيث أن المشرع المغربي من خلال هذه المادة خول للمستهلك الالكتروني ضمانة تتمثل في المنع من إرسال أي بريد الكتروني دون موافقة المعني بالأمر[12]. 

كما أنه من خلال المادة 24 من القانون رقم 08-31 نجد المشرع المغربي أوجب على البائع الالكتروني إعلام المستهدفين بالإشهار الالكتروني بحقهم في التعرض في المستقبل على تلقي الإشهاريات الالكترونية. وعليه، فمواقع التجارة الالكترونية يجب أن تستخدم في حملاتها الدعائية الالكترونية فقط العناوين الالكترونية التي تم تجميعها بطريقة مشروعة بعد الحصول على الموافقة المسبقة من أصحابها وإعلامهم لحقهم في الرد عن استقبال الرسائل الدعائية الالكترونية.

المطلب الثاني: حماية المستهلك الالكتروني أثناء إبرام العقد

أضحت مشكلة حماية رضا المستهلك تفرض نفسها، خاصة الحماية من التسرع والتهور في ظل نظام التسوق الالكتروني تحت وطأة عدم الإلمام بحيثيات العقد بشكل صحيح، أو تأثر إرادة المستهلك بجملة من الضغوط والأساليب الاحتيالية التي تؤدي إلى توجيه إرادته على نحو يضر بمصلحته، بل قد يؤثر حتى على توقيعه الالكتروني. وفي هذا الصدد حرص المشرع المغربي سواء في القانون رقم 08-31 أو القانون رقم 05-53 إلى تجريم بعض الأفعال التي تشكل اعتداء على حقوق المستهلك بصفة عامة وحقوق المستهلك الالكتروني بصفة خاصة.

وإذا كان العقد الالكتروني يبرم في ظل انعدام الحضور المادي للأطراف، وهو ما يحقق عدم التكافؤ بين الطرفين فنجد أن المورد المقدم للسلعة أو الخدمة يملك خبرات فنية وقانونية وإمكانيات اقتصادية، في حين أن المستهلك يتواجد في موقع ضعيف في مواجهة هذه الإمكانيات، وهذا طبعا يؤثر بشكل كبير على إرادة المستهلك، لدى كان من الضروري توفير نوع من الحماية القانونية لطرفي العقد لضمان استقرار نسبي لعقود التجارة الإلكترونية[13]

ومما لا شك فيه أن القواعد العامة في التدليس والغلط تستوعب نظرية عيوب الإرادة في مجال العقد الالكتروني إلا أن المجال الذي ينعقد فيه هذا الأخير يؤثر بشكل متفاوت على القواعد القانونية التقليدية، مما يجعل كلا من العيب والتدليس لهما تأثير بشكل كبير في الإرادة اللازمة للمستهلك، بينما يستبعد عيب الإكراه في التأثير على رضا المستهلك في مجال المعاملات الالكترونية[14].



[1] - ضياء علي أحمد نعمات، " المسؤولية المدنية الناتجة عن الوفاء الإلكتروني بالبطائق الالكترونية جوانبها القانونية وآثارها"، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث القانون المدني، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش سنة 2009/2010، ص 287.

[2] - المورد الإلكتروني أو ما عبر عنه المشرع من خلال المادة 25 من القانون 31.08 بالتاجر السيبراني: " كل شخص طبيعي أو معنوي يتصرف في إطار نشاط مهني أو تجاري باستعمال شبكة الانترنيت. بإسقاط هذا التعريف الذي أعطاه المشرع المغربي للمورد العادي من خلال الفقرة الثانية من المادة 2 من نفس القانون، نجده نفسه فقط الاختلاف على مستوى التعامل الذي يتم باستعمال شبكة الانترنيت.

[3] - عرفه المشرع الفرنسي من خلال المادة الثالثة من القانون رقم 344-2014، وكذا المشرع المصري الذي عرفه في القانون رقم 67 الصادر في 2006.

[4] - ظهير شريف رقم 1.11.03 صادر في 14 ربيع الأول 1432 (18 فبراير 2011) القاضي بتنفيذ القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك صادر بالجريدة الرسمية عدد 5932 بتاريخ 3 جمادى الأولى 1432 (أبريل 2011) ص: 1072.

[5] - ظهير شريف رقم 1.07.129 صادر في 19 ذي القعدة 1428 (2007) بتنفيذ القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية الجريدة الرسمية عدد 5584ن بتاريخ 25 ذو القعدة 1428 (2007) ص: 3879.

[6] - ظهير شريف رقم 1.09.15 صادر في 22 صفر 1430 (2009) بتنفيذ القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، الجريدة الرسمية عدد 5711، ص: 522.

[7] - ظهير شريف رقم 1.83.108 صادر في 9 محرم 1405 (1984) بتنفيذ القانون رقم 83.13 المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع الجريدة الرسمية عدد 3777 ص: 395.

[8] - كما تنص على ذلك المادة 3 من القانون رقم 08-31.

[9] - تنص المادة 29 من قانون 08-31 على أنه: " 1-التعريف بالمميزات الأساسية للمنتوج أو السلعة أو الخدمة محل العرض 2-اسم المورد وتسميته التجارية والمعطيات الهاتفية التي تمكن من التواصل الفعلي معه وبريده الالكتروني وعنوانه وإذا تعلق الأمر بشخص معنوي فمقره الاجتماعي، وإذا تعلق الأمر بغير المورد فعنوان المؤسسة المسؤولة عن العرض....".

* تنص المادة 30 من قانون 31.08 على أنه: " يجب على المورد أن يمكن المستهلك من الولوج بسهولة والاطلاع على الشروط التعاقدية المطبقة على توريد المنتوجات والسلع أوعلى تقديم الخدمات عن بعد...".

[10] - بدر منشيف، " حماية المستهلك في العقد الالكتروني"، المجلة العربية للدراسات القانونية والاقتصادية والاجتماعية، العدد مؤلف جماعي حول حماية المستهلك، الطبعة الأولى، سنة 2020 ص: 330.

[11] - فؤاد بنصغير: " حماية المستهلك في نطاق التجارة الالكترونية" مقال منشور على الموقع الالكتروني: www.maroclaw.com

[12]  - أيت أحمد ياسين:" الضوابط القانونية لحماية المستهلك" مجلة العلوم القانونية، العدد الثاني، 2014 ص: 191 و192.

[13] - مرزوق نور الهدى: " التراضي في العقود الإلكترونية"، رسالة لنيل شهادة الماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، 2012، ص 84.

[14] - مصطفى موسى العجارمة، " التنظيم القانوني للتعاقد عبر شبكة الانترنيت"، دار الكتب القانونية ودار شتات للنشر والبرمجيات، مصر، 2010، ص 250.


من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة


قانونك


من أجل تحميل هذا العدد الثالث عشر - إضغط هنا أو أسفاه على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث