تعليق على قرار محكمة النقض المغربية شرط عدم المنافسة في إطار عقد الشغل
من إعداد: محمد أمين اسماعيلي
Clause de non-concurrence dans le contrat de travail |
تعليق على قرار محكمة النقض المغربية
شرط عدم المنافسة في إطار عقد الشغل
من إعداد: محمد أمين اسماعيلي
تعليق:
صدر عن محكمة النقض قرار عدد 1272 الصادر بتاريخ 14 يونيو 2012 ملف اجتماعي عدد 610/5/1/2011 حول استفاد من الحصول على التعويض في إطار المنافسة غير المشروعة لطرف المشغلة (ة). متى ثبت أن واقعة المنافسة وقعت تحت مسؤولية الأجير، الأمر يجعل المشغل تستحق التعويض لما خلفته هذه المنافسة الغير المشروعة. ويثير هذا القرار انتباه الباحثين لأسباب متعددة يمكن حصرها فيما يلي:
أولا : واقعة عدم المنافسة، مازالت محل تضارب بين آراء الفقه، إذ لم يستقر على معايير موحدة، من أجل الأخذ بواقعة المنافسة.
ثانيا : عدم وجود توحيد في مجال الاجتهاد الصادر عن محكمة النقض.
ثالثا : حدود شرط عدم المنافسة، شرط لمصلحة المشغل، وقيد لحقوق الأجير. ضمان من أجل حماية استقرار علاقة الشغل.
وللتعليق على هذا القرار القيم لابد من إعادة استعراض أهم وقائعه ومنطوقه.
vالوقائع:
تتلخص وقائع هذا القرار، حيث أن الطالبة بصفتها المشغلة. تدعى الأجير الذي كان يشتغل لديها بصفته كرئيس مشروع منذ 06 شتنبر 2008. قدم استقالته في 11 شتنبر 2009، لكن الأمر لم يقتصر إلى هذا الحد، ولكن واتضح لها بأنه نافسها منافسة غير مشروعة باستقطاب زبائنها وعمالها.
vالمساطر:
حكمت المحكمة الابتدائية، بعدم قبول الطلب المشغلة.
أيدته محكمة الاستئناف بقرارها المشار إليه أعلاه. وهذا هو القرار المطعون فيه بالنقض من طرف الطالبة. فيما قضت محكمة النقض بنقض وإبطال القرار المطعون فيه وإحالة القضية على نفس المحكمة للبت فيها من جديد بهيئة أخرى طبقا للقانون وبتحميل المطلوب في النقض الصائر.
vالادعاءات:
قدم الطالبة طلب النقض وأسسه على وسيلتين:
الوسيلة الأولى: تعيب الطالبة على القرار المطعون فيه خرق الفصلين 404 و416 من ق،ل،ع. والفصل 345 من قانون م،م. وفساد التعليل الموازي لانعدامه وعدم الارتكاز على أساس.
الوسيلة الثانية: خرق الفصلين 77 و84 من ق، ل،ع. وخرق مبدأ حرية الاثبات لوقائع مكونة لضرر وفساد التعليل الموازي لانعدامه.
vجواب المحكمة:
حيث تبين لمحكمة النقض صحة ما عابثه الطالبة على القرار المطعون فيه، ذلك أنه بموجب الفصلين 77 و78 من ق،ل،ع. فإن كل فعل أو خطأ يرتكبه الانسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح به القانون يحدث ضررا للغير يلزم مرتكبه بالتعويض عنه إذا كان هو السبب المباشر في حدوثه.
وحيث إن الثابت، في النازلة من تعليل الحكم الابتدائي المؤيد استئنافيا أن المدعى عليه ( الأجير المطلوب) طلب من عمال الشركة المدعية ( الطالبة) الالتحاق بالعمل لدى شركة أخرى. بإلحاق 8 أجراء تابعين للشركة الطالبة والمضمنة أسماؤهم بالإشهاد الكتابي المصحح الامضاء في 24 شتنبر 2009 ولم تستمع المحكمة إلي تصريحاتهم لتأكيد أو نفي ما تدعيه الطالبة في مقالها.
كما أن الثابت من جهة أخرى أن المطلوب يقر في عقد فسخ اتفاق استشاري بخصوص التنمية التجارية المبرم بينه وبين الطالبة في 25 شتنبر 2009.بأنه لم ينفذ التزاماته التعاقدية كما هو منصوص عليها في الفصلين 2 و6 من هذا العقد.
وهذه الأفعال تكيف كلها بأنها أخطاء وتقع تحت طائلة مقتضيات الفصلين 77 و78 من ق،ل،ع. المشار إليه أعلاه. أما باقي أركان المسؤولية التقصيرية المحتملة للمطلوب فإن المحكمة لم تجر بشأنها إجراءات التحقيق اللازمة والمنصوص عليها في الفصل 59 وما بعدها والفصل 280 من قانون م،م.
vالمشكل القانوني:
ما المقصود المنافسة في إطار علاقة الشغل ؟
على أي أساس تتحدد المنافسة الغير المشروعية ؟
وما هي حدودها؟
ومن أجل التعليق على القرار سنتبنى تصميما نرتكز على المحورين التاليين:
المحور الأول : أسس المنافسة في إطار علاقة الشغل
المحور الثاني : حدود المنافسة الغير المشروعة وآثارها
المحور الأول : مصدر شرط عدم المنافسة في إطار علاقة الشغل
قبل تحديد مصدر شرط عدم المنافسة، ينبغي تحديد في النقطة الأولى الإطار شرط عدم المنافسة، ومن أجل الوصول في النقطة الثانية، لحديث عن مصدر شرط عدم المنافسة.
النقطة الأولى: الإطار شرط عدم المنافسة
يتمثل شرط عدم المنافسة، في منع الأجير أثناء أو بعد فسخ العقد. من القيام بنفس النشاط المهني، كعامل في شركة أخرى أو غير عامل. من شأن ذلك منافسة نشاط مشغله. وقد يرد هذا الشرط إما في القانون أو في عقد الشغل أو في الاتفاقية الجماعية.
فالمبدأ العام، أن عدم منافسة الأجير لرب العمل ينتهي بانتهاء عقد الشغل، لذا نجد أن المشغل يلتجأ إلى التنصيص في بنود عقد الشغل على شرط عدم منافسة الأجير له بعد انتهاء عقد الشغل حتى يستطيع حماية مشروعاته من احتمال منافسة ضارة ذلك أن الأجير قد يستغل تخصصه وعلمه بأسرار المصنع وعلاقته بالزبائن لحسابه وضدا على المصالح الاقتصادية والمالية للمقاولة المشغلة.[1]
لكن هذا المبدأ طرح مجموعة من الإشكالات من ضمنها.
ألا يشكل عدم منافسة المشغل، قيد على حقوق الأجير. حالات كون طبيعة الشغل من الأشغال القيمية، والتي قل ما نجد مثيلا لها. وتكون موضوع موقع معين، نتيجة ارتباط الشغل بالميدان الصناعي ـ أجير يختص في مجال أنظمة تقنية السيارات المتطورة جدا ـ أو تقنيات أفلام ذات أنظمة ثلاثية الأبعاد وخيال سينمائي مثلا.
وإذا كان شرط عدم المنافسة يهدف إلى حماية مصلحة مشروعة للمقاولة أو المؤسسة فإنه يجب أن يأخذ بعين الاعتبار خصوصية عمل الأجير وذلك لمنع الاشتراطات التعسفية الدارجة والعامة في عقود العمل والتي لا تضع في الحسبان نوع العمل المكلف به الأجير، الذي يقتضي أن يكون على قدر من الكفاءة والتخصص والتجربة والذي يبرز وحده حقيقة وأهمية الأخطار الاقتصادية والتجارية لمزاولة أي عمل منافس.
وهكذا اعتبرت محكمة النقض الفرنسية، أن شرط عدم المنافسة بالنسبة للأجير المكلف بالتنظيف المبرم لمدة 4 سنوات لا يعتبر شرطا ضروريا لا غنى عنه لحماية المصالح المشروعة للمقاولة وفي نفس الوقت وحماية للحق في العمل بالنسبة للأجير.[2]
النقطة الثانية: مصدر شرط عدم المنافسة
إن الالتزام بعدم المنافسة قد يجد مصدره إما في القانون أو العقد أي اتفاقات الأطراف، ويسمى في الحالة الأولى بالالتزام القانوني بعدم المنافسة تمييزا له عن الالتزام الاتفاقي بعدم المنافسة. ويعرف هذا الأخير، الاتفاق الذي يلتزم بمقتضاه الأجير بعدم منافسة رب العمل سواء بإنشاء مشروع منافس، أو بالعمل عند رب عمل منافس بعد انتهاء عقد الشغل.[3]
وإذا كان الأجير يعد ملتزما قانونا بعدم منافسة رب العمل أثناء تنفيذ عقد الشغل طبقا لمبدأ حسن النية،[4] والإخلاص في تنفيذ العقد، وتأسيسا أيضا على أن علاقة التبعية تحظر تبعية أجير لأكثر من مؤاجر في آن واحد، وبصفة عامة يلزم الأجير الامتناع عن أي عمل أو تصرف يضر بمصلحة المؤسسة المشغلة. ذلك أنه لا يمكن العمل مع شخص ومنافسته في آن واحد.
لكن قد نجد أن المشغل يلتجأ إلى التنصيص في بنود عقد الشغل على شرط عدم منافسة الأجير له بعد انتهاء عقد الشغل حتى يستطيع حماية مشروعاته من احتمال منافسة ضارة ذلك أن الأجير قد يستغل تخصصه وعلمه بأسرار المصنع وعلاقته بالزبائن لحسابه وضدا على المصالح الاقتصادية والمالية للمقاولة المشغلة. إلا أن هذا الشرط، هل له تقيد بحقوق الأجير، وهذا ما يفتح لنا باب الإشكال في هذا المجال.
جوابا على الإشكال، مما لا ريب فيه، أن هذا الشرط يشكل مساسا خطيرا يهدد حرية الانسان في جانبها الاقتصادي والاجتماعي ومسا بأحد الحقوق الأساسية التي حماها الدستور. وحتى لا يبالغ في تطبيق هذا الشرط واستعماله استعمالا بشعا من طرف المشغل، تدخل المشرع والقضاء لتنظيم هذا الشرط وإباحته بالقدر الذي يلاءم بين حرية الأجير والمصالح المشروعة لصاحب العمل، ووضع عدة ضوابط وقيود لصحته، خاصة إذا علمنا أن الأجير يقبل هذا الشرط تحت ضغط الحاجة للعمل باعتباره الطرف الضعيف في العقد.
وبالرجوع إلي قانون الالتزامات والعقود نجده ينص في الفصل 109 منه أن كل شرط من شانه أن يمنع أو يحد من مباشرة الحقوق والرخص الثابتة لكل إنسان كحقه في أن يباشر حقوقه المدنية يكون باطلا ويؤدي إلى بطلان الالتزام المعلق عليه.
ولا يطبق هذا الحكم على الحالة التي يمنح فيها أحد الطرفين نفسه من مباشرة حرفة معينة خلال وقت ومنطقة محددين.
كما يجد بمبدأ حسن النية الأجير جوابا على الإشكال المطروح وذلك بالنظر حالات التي تكون فيه المصلحة الاقتصادية محل اعتبار، وذلك انطلاقا من مقتضيات الفصل الفصل 231 من ق ل ع.[5]
وفي هذا نساير هذا التوجه الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض قرار موضوع التعليق، في إطار الجزء الذي بنى حيثياته بالأخذ بمبدأ حسن النية، رغم أن هذا التوجه كان متأخرا مقارنة مع التوجه الفرنسي، حيث أن القضاء الفرنسي رجح شرط عدم المنافسة، باعتباره كأساس على الالتزام بالإخلاص ( Obligation de fidélité ) وهكذا جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بتلوز الصادر بتاريخ 7 مايو 1998 " إن الأجير ملزم أثناء مرحلة تنفيذ عقد الشغل بواجب الإخلاص تجاه مشغله ولا يمكن له أن يمارس نشاطا منافسا له، ولو في غياب شرط صريح خاص في العقد."[6]
وبهذا يعتبر حسن النية مبدءا عاما تقوم عليه مختلف الالتزامات التعاقدية، ويجد سنده في الشريعة الإسلامية[7] وكذا القوانين الوضعية.[8] والمبادئ الأساسية المكرسة على مستوى التشريعات المعاصرة والمعول عليها في ضبط وتحقيق التوازنات داخل العلاقات الشغلية سواء فيما يتعلق بالالتزامات الملقاة على عاتق المشغل أو الأجير على حد سواء[9]. فمبدأ حسن النية له دور هام في العديد من مجالات تطبيق بنود قانون الشغل وخاصة في مجال المنافسة الغير المشروعة. فبالرغم من أن هذا الحق مقرر لطرف الأجير. إلا أنه يسعى الابتعاد عن نية إلحاق الضرر بالطرف الأخر.
المحور الثاني : حدود المنافسة الغير المشروعة وأثارها.
سبقت الإشارة إلى أن عقد الشغل كغيره من العقود ينشأ التزامات متقابلة على عاتق طرفيه. ونظرا لأهمية هذا القرار موضوع التعليق، وكذلك للإشكالات التي يطرحها على مستوى الواقع العملي، ارتأينا أن نتناول هذا المحور الثاني في نقطتين أساسيتين.
النقطة الأولى: حدود شرط عدم المنافسة
1- تقييد شرط عدم المنافسة من حيث الزمان:
إذا كانت مقتضيات المادة 9 من مدونة الشغل تقضي بحرية العمل كمبدأ لفائدة الأجراء. فإن الفصل 109 من ق.ل.ع.م بعد أن منع كل شرط من شأنه أن يحد من مباشرة الحقوق والرخص الثابتة لكل إنسان، نص في فقرته الثانية على استثناء لا يطبق عليه الحكم المشار إليه ويتعلق الأمر بالحالة التي يمنع فيها أحد الطرفين نفسه من مباشرة حرفة معينة خلال وقت وفي منطقة محددين".[10]
وبالتالي يشترط لصحة الاتفاق بعدم المنافسة أن يكون مقيدا من حيث المكان والزمان، أي أن تكون المدة محدودة، وهي المدة الضرورية لحماية صاحب العمل المشروعة. فلا يجوز أن يكون المنع مؤبدا أو طوال حياة الأجير.
وهو ما كرسته محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 10 يوليوز 2002 حيث اشترطت صحة الشرط الاتفاقي بتقييده من حيث الزمان والمكان.[11]
2- تقييد شرط عدم المنافسة من حيث المكان:
أن يكون الشرط مقيدا في المكان، بحيث يجب أن يقتصر المنع على مكان أو منطقة معينة، أي داخل النطاق الذي يمتد إليه نشاط صاحب العمل. ويخشى فيه من منافسة هذا الأخير.
تقييد الأجير بعدم المنافسة في مكان معين. فهدفه هو تلافي الأضرار التي قد تلحق بالمقاولة نتيجة قيام الأجير بممارسة النشاط الذي تزاوله، لذا كان لزاما أن يجعل المشرع هذا الشرط قاصرا على حيز جغرافي معين لأنه ليس من المنطقي أن يشمل نشاط الشغل جميع الأماكن.
3- أن يحصل الأجير على تعويض عن هذا الشرط:
أن يحصل الأجير على تعويض مالي. وقد كرس هذ الشرط كذلك من طرف محكمة النقض الفرنسية. وارتبط القرار وبشدة صحة الشرط الاتفاقي بعدم المنافسة بقيام صاحب العمل بمنح الأجير تعويض مالي.
4- تقييد شرط عدم المنافسة من حيث نوع العمل:
رغم عدم تنصيص المدونة على شرط عدم المنافسة إلا أن هذا الشرط يجد سنده في مقتضيات المادة 21 من م.ش التي تنص على أن الأجير يمتثل أيضا للنصوص المنظمة لأخلاقيات المهنة[12]. إلا أنه يصعب من الناحية العملية الفصل بين شرط عدم المنافسة والشروط الأخرى المشابهة له كشرط التفرد وشرط عدم المسعى.
فما هو المعيار الفاصل بينهما؟
حقيقة الأمر أنه برجوعنا إلى مدونة الشغل كذلك لم نجد أي مقتضى صريح يحدد طبيعة هذه الشروط أو أحكامها.
§ إلا أنه في القضاء الفرنسي نجد عدد تطبيقات عملية لهذه الشروط فقد قبلت محكمة النقض الفرنسية في أحد قراراتها ضمنيا بأن خرق شرط التفرد يمكن أن يكون نشاطا منافسا للمشغل أي خطأ جسيما فهذا الشرط يحضر على الأجير ممارسة أي نشاط منافس مع مشغل آخر.
§ وهناك شرط آخر هو شرط عدم المسعى الذي يعتبر تصغيرا لشرط عدم المنافسة فهو أقل إكراها بالنسبة للأجير حيث يمنع على هذا الأخير السعي نحو زبناء المشغل السابق لصالح المشغل الذي يشغل معه أو لمصلحته الشخصية
وبالتالي فإن شرط عدم المنافسة باعتباره استثناءا من مبدأ حرية العمل فإنه لا يجب التوسع فيه حيث يجب أن يكون في حدود ما يقتضيه القانون بدون تعسف أو تقيد لحق الأجير في حرية العمل. [13]
5- بلوغ السن القانوني للرشد:
يجب أن يكون الأجير بالغا سن الرشد وقت إبرام العقد الذي يوضع فيه شرط عدم المنافسة حتى يدرك مدى خطورة الشرط على حريته، وأن تتوفر في العقد الشروط الضرورية لقيامه صحيحا. وذلك بانتفاء العيوب التي تجعله قائما على غير أساس.
6- وجود مصلحة مشروعة للمقاولة:
فالمصلحة هي مناط التصرفات القانونية، والهدف المتوخى منها، فشرط عدم المنافسة وجد من أجل حماية مصالح المقاولة المشغلة من المنافسة التي قد يلتجأ لها الأجراء مستغلين الأسرار والمعلومات التي قد يطلعون عليها أثناء مزاولتهم لعملهم وبالتالي فشرط عدم المنافسة لا يكفي وحده للقول بأن الأجير ارتكب منافسة غير مشروعة للمقاولة المشغلة إلا إذا تم إثبات حدوث ضرر مس المقاولة نفسها لا فرعا من فروعها[14].
7- تأثير مهمة الأجير على صاحب العمل:
أن تسمح مهمة المنوطة بالأجير بمعرفة عملاء صاحب العمل أو بالاطلاع على أسرار المهنة أو العمل الذي ينشط فيه صاحب العمل، وهو ما أكدته بعض التشريعات المقارنة.[15]
النقطة الثانية: أثار شرط عدم المنافسة
1ـ آثار تطبيق شرط عدم المنافسة على الأجير:
إذا تحققت شروط صحة شرط عدم المنافسة يتعين على الأجير احترامها والالتزام بمقتضياتها تحت طائلة تحقق مسؤوليته العقدية مهما كانت أسباب انتهاء عقد العمل سواء الفسخ أو الاستقالة.
لكن جزاء المسؤولية العقدية قد لا يكون فعالا لضمان احترام الأجير للشرط الشيء الذي استدعى التفكير في تطبيق جزاءات أكثر صرامة ومن بينها فرض غرامة تهديدية على الأجير أو طلب إغلاق المؤسسة المنافسة أو فسخ عقد العمل بالنسبة للأجير المرتبط بمشغل آخر، ويمكن للمشغل أن يجمع بين طلب تنفيذ الشرط وطلب التعويض. [16]
2ـ أثار تطبيق شرط عدم المنافسة على المشغل:
إذا لم يمكن المشغل الأجير من تعويض عن شرط عدم المنافسة، فإن الشرط يصبح كأن لم يكن ويكون بمقدوره التحلل منه بحيث يسترد حريته في ممارسة نفس العمل ومنافسة مشغله.
3ـ أثار تطبيق شرط عدم المنافسة على المشغل الجديد:
قد تتحقق مسؤولية المشغل الجديد بمناسبة تطبيق شرط عدم المنافسة في الحالة التي يقوم فيها بتشغيل أجير مرتبط بهذا الشرط مع مشغل آخر:
1- إذا ثبت أنه تدخل من أجل إخراج الأجير من شغله.
2- إذا شغل أجير مع علمه بأنه مرتبط بعقد شغل
3- إذا استمر في تشغيل أجير بعد أن علم أنه ما زال مرتبطا بمشغل آخر بموجب عقد الشغل ويكون معه المشغل الجديد متضامن مع الأجير عن تحمل المسؤولية عن الضرر اللاحق بالمشغل السابق ( المادة 42 من مدونة الشغل
ذلك أن قواعد المنافسة تأبى القيام بتصرفات غير مشروعة اتجاه مقاولة أخرى بتشغيل أجير مرتبط بمقاولة أخرى إضرارا بها ومسا بمصالحها المالية.
وإذا كان شرط عدم المنافسة يهدف إلى حماية النظام العام الاقتصادي للمقاولة سواء في علاقتها بالأجير ومع مؤسسة منافسة أخرى تحقيقا للشفافية والنزاهة في العلاقات التجارية، فإن حماية هذا النظام استدعى أيضا رعي مصالح وحقوق الأجير ( النظام العام الاجتماعي ) عن طريق تقييد الحق في العمل بحدود قانونية أو قضائية تحترم الحق في العمل وتقيده دون أن تلغيه.[17]
وبالرجوع إلى القرار موضوع التعليق، استند على أن الأجير نافس المشغلة، أو الطالبة منافسة غير مشروعة، امتد لاستقطاب أجراء العارضة. وزبائنها. كما أن الثابت من جهة أخرى أن المطلوب يقر في عقد فسخ اتفاق استشاري بخصوص التنمية التجارية المبرم بينه وبين الطالبة في 25 شتنبر 2009. بأنه أي الأجير لم ينفذ التزاماته التعاقدية كما هو منصوص عليها في الفصلين 2 و6 من هذا العقد.
إن القول بأن الأجير أخل بالالتزام الصادر عنه بعدم المنافسة، أمر لا يقبله المنطل السليم إذ يتناقض مع مقتضيات قانون الالتزامات والعقود في كثير من نصوصه ومساس بحرية العمل المنصوص عليه في الفصل 727 من قانون الالتزامات والعقود لا يسوغ للشخص أن يؤجر خدماته إلا إلى أجل محدد، أو لإداء عمل معين، أو لتنفيذه إلا وقع العقد باطلا بطلانا مطلاقا.
جاء في المادة 728 من قانون الالتزامات والعقود، يبطل كل اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص بتقديم خدماته طوال حياته، أو لمدة تبلغ من الطول حدا بحيث يظل ملتزما حتى موته. وبمفهوم المخالفة لمقتضيات منطوق القرار فإنه حلل ما حرمه المشرع وفتح باب التعسف في استعمال الحق أمام أرباب العمل. مما يجعل من تعليل محكمة النقض جاء مجانيا لصواب في هذا الشق.
إن استفادة المقاولة أو المشغل من شرط عدم المنافسة من طرف الأجير رهين بشروط أقرها الفصل 109 من قانون الالتزامات والعقود والاجتهاد القضائي.
كل شرط من شأنه أن يمنع أو يحد من مباشرة الحقوق والرخص الثابتة لكل إنسان كحق الإنسان في أن يتزوج، وحقه في أن يباشر حقوقه المدنية، يكون باطلا ويؤدي إلى بطلان الالتزام الذي يعلق عليه. ولا يطبق هذا الحكم على الحالة التي يمنع فيها أحد الطرفين نفسه من مباشرة حرفة معينة خلال وقت وفي منطقة محددين[18].
وفي هذا النطاق، نقول على أن هذا الاجتهاد القضائي غيب أحد شروط الاستفادة الأجير من التعويض، ليتلاءم مع موضوع شرط عدم المنافسة. والمتمثل بالأساس استفادة الأجير من التعويض، حيث انشغل قرار موضوع التعليق. بدراسة حسن نية الأجير بالإضرار بالمشغلة. بدون مد أي اعتبار لطرف الأجير. حيث أن المشغلة يجعلها بهذا باعتماد هذا التوجه تتمتع بسلطة احتكارية، وسلطوية في نفس الوقت، وتقيد لمصالح الأجير.
وإننا في هذا المنوال، نشيد على التوجه محكمة النقض في قرار لها، في إطار واقعة المنافسة، بحيث حتى وإن حرمت الأجير من الاستفادة من تعويضات عقد الشغل الذي انعقد بينه وبين المشغل الأول، إلا أنها لم تقيد في ممارسة عمله مع المشغل الثاني. وهذا التوجه مجانب للصواب مادام أنه يحافظ على التوازن بين العلاقة الشغل. لا هو مقيد لحرية الأجير، ولا داعمة للمشغل. قرار عدد 853 المؤرخ في 14 أكتوبر 2010 في ملف اجتماعي عدد: 138/5/1/2009. حيث أقر "حالة ثبوت واقعة المنافسة ومسؤولية الأجير عنها، يجعله غير محق في أي تعويض عن وضع حد للشغل."[19]
كما ذهب أيضا محكمة النقض الفرنسية. في نفس المجال حيث سار مبدئيا، إلي تحديد مدقق في ما مدى توفر واعتداد بشرط عدم المنافسة من خلال اجتهاد قضائي صادر بتاريخ 10/7/2002 جاء فيه " إن شرط عدم المنافسة لا يمكن أن يكون مشروعا إلا إذا كان ضروريا لحماية مصلحة مشروعة للمقاولة، محددا في الزمان والمكان يأخذ بعين الاعتبار خصوصية عمل الأجير ويتضمن تعويضا ماليا، هذه الشروط كلها مجتمعة وإلزامية.
وبذلك يكون الاجتهاد القضائي الفرنسي وضع شروط لصحة شرط عدم المنافسة:
وهي ثلاثة شروط:
1- أن يكون الشرط مقيدا في الزمان.
2- أن يكون الشرط مقيدا في المكان
3- أن يحصل الأجير على تعويض عن هذا الشرط. "
انطلاقا مما سبق، نرى القرار الذي تم التعليق عليه موضوع اختلاف المبررات الواقعية والقانونية لهذا التوجه الذي لا نميل إلى وجاهة تعليله لافتقاره إلى مؤيد قانوني خاص، يتلاءم مع طبيعة العلاقة الشغل التي أصبح الواقع الحالي يعرفها، وفي ظل بروز ميادين لم تكن في الحسبان ولا تتلاءم مع القواعد العامة. وبذلك يكون ما خلص إليه القرار معيب في شق قيد حرية الأجير بمنافسة المشغلة أو الطالبة، حيث قضت محكمة النقض بنقض وإبطال القرار المطعون فيه وإحالة القضية على نفس المحكمة للبت فيها من جديد بهيئة أخرى طبقا للقانون وبتحميل المطلوب في النقض الصائر.
لتتمة المقال - قم بتحميله
[1] محمد مومن، الشرط الاتفاقي بعدم المنافسة في عقد الشغل وآثاره على الوضعية القانونية للأجير، مجلة القانون والاقتصاد، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، العدد 18، ص 11.
"كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية. وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل أيضا بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الإنصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته"
[5] "كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية. وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل أيضا بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الإنصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته".
كما يمكن الاستعانة بمقتضيات وكدا الفصلين، 77 و78 من ق، ل، ع. حيث ينص الفصل 77 منه "كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار، ومن غير أن يسمح له به القانون، فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر. وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر."
فيما ينص الفصل 78 من نفس القانون، " كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه، لا بفعله فقط ولكن بخطإه أيضا، وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر.
وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر. والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله، أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه، وذلك من غير قصد لإحداث الضرر."
[8] - مثال الفصل 231 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي جاء فيه"كل نعهد يجب تنفيده نحسن نية...".
[10] ذ. ابراهيم المنكبي. حدود اشرط عدم المنافسة. مجلة سلسلة الاجتهاد القضائي. العدد 3 ـ 2013. ص: 314
[11] Une clause de non-concurrence n'est licite que si elle est indispensable à la protection des intérêts légitimes de l'entreprise, limitée dans le temps et dans l'espace, qu'elle tient compte des spécificités de l'emploi du salarié et comporte l'obligation pour l'employeur de verser au salarié une contrepartie financière, ces conditions étant cumulatives.
"خلال وقت أو في منطقة محددة"، بدل خلال وقت وفي منطقة محددين. وبذلك يمكن صياغة الفقرة الأخيرة من هذا الفصل كالآتي: ولا يطبق هذا الحكم على الحالة التي يمنع فيها أحد الطرفين نفسه من مباشرة حرفة معينة خلال وقت أو في منطقة محددة.